" صفحة رقم ٣٠٩ "
قَدره ليس مما يَغتبط ذوو الألباب على إصابته إذ هو قد ناقض قوله ابتداء إذ قال : ما هو بعَقْدِ السحرة ولا نفثهم وبَعد أن فكّر قال :( إن هذا إلاّ سحر يؤثر ( فناقض نفسه.
وقولُه :( ثم قُتل كيف قدّر ( تأكيد لنظيره المفرّع بالفاء. والعطف ب ) ثم ( يفيد أن جملتها أرقى رتبة من التي قبلها فِي الغرض المسوق له الكلام. فإذا كان المعطوف بها عين المعطوف عليه أفادت أن معنى المعطوف عليه ذُو درجات متفاوتة مع أن التأكيد يكسب الكلام قوة. وهذا كقوله :( كَلاَّ سيعلمون ثم كلا سيعلمون ( ( النبأ : ٤، ٥ ).
و ) كَيف قدّر ( في الموضعين متحد المعنى وهو اسم استفهام دال على الحالة التي يبينها متعلِّق ) كيف ).
والاستفهام موجه إلى سامع غير معيّن يستفهم المتكلم سامعه استفهاماً عن حالة تقديره، وهو استفهام مستعمل في التعجيب المشوب بالإِنكار على وجه المجاز المرسل.
و ) كيف ( في محل نصب على الحال مقدمة على صاحبها لأن لها الصدر وعاملها ) قَدَّر ).
وقوله :( ثم نظر ثم عبَس وبَسَر ثم أدبر واستكبر ( عطف على ) وقدّر ( وهي ارتقاء متواللٍ فيما اقتضى التعجيب من حاله والإِنكار عليه. فالتراخي تراخي رتبة لا تراخي زمننٍ لأن نظره وعُبُوسه وبَسَره وإِدباره واستكباره مقارنة لتفكيره وتقديره.
والنظر هنا : نظر العين ليكون زائداً على ما أفاده ) فكَّر وقدَّر ). والمعنى : نظر في وجوه الحاضرين يستخرج آراءهم في انتحال ما يصفون به القرآن.
و ) عبس ( : قطَّب وجهه لمَّا استعصى عليه ما يصف به القرآن ولم يجد مغمَزاً مقبولاً.
و ) بسَر ( : معناه كلَح وجهُه وتغيَّر لونه خوفاً وكمداً حين لم يجد ما يشفي غليله من مطعن في القرآن لا ترده العقول، قال تعالى :( ووجوه يومئذٍ باسرة تظنّ أن يفعل بها فاقرة في سورة ( ( القيامة : ٢٤، ٢٥ ).
والإِدبار : هنا يجوز أن يكون مستعاراً لتغيير التفكير الذي كان يفكره ويقدّره