" صفحة رقم ٣١٥ "
والتقدير : ما جعلنا ذكر عدتهم لعلة وغرض إلاّ لغرض فتنة الذين كفروا ؛ فانتصب ) فتنة ( على أنه مفعول ثان لفعل ) جعلنا ( على الاستثناء المفرغ، وهو قصر قلب للردّ على الذين كفروا إذ اعتقدوا أن عدتهم أمر هيّن.
وقوله :( ليستيقن الذين أُوتوا الكتاب ( الخ. علة ثانية لفعل ) وما جعلنا عدتهم إلا فتنة ). ولولا أن كلمة ) فتنة ( منصوبة على المفعول به لِفعل ) جعلنا ). لكان حق ) ليستيقن ( أن يعطف على ) فتنة ( ولكنه جاء في نظم الكلام متعلقاً بفعل :( وما جعلنا عدتهم إلا فتنة.
ويجوز أن يكون للذين كفروا ( متعلقاً بفعل ) جعلنا وب فتنة (، على وجه التنازع فيه، أي ما جعلنا عدتهم للذين كفروا إلاّ فتنةً لهم إذ لم يحصل لهم من ذكرها إلاّ فساد التأويل، وتلك العِدة مجعولة لفوائد أخرى لغير الذين كفروا الذين يفوضون معرفة ذلك إلى علم الله وإلى تدبر مفيد.
والاستيقان : قوة اليقين، فالسين والتاء فيه للمبالغة. والمعنى : ليستيقنوا صدق القرآن حيث يجدون هذا العدد مصدقاً لما في كتبهم.
والمراد ب ) الذين أُوتوا الكتاب ( اليهود حين يبلغهم ما في القرآن من مثل ما في كتبهم أو أخبارهم. وكان اليهود يترددون على مكة في التجارة ويتردد عليهم أهل مكة للميرة في خيبر وقريظة ويثرب فيسأل بعضهم بعضاً عما يقوله محمد ( ﷺ ) ويودّ المشركون لو يجدون عند اليهود ما يكذبون به أخبار القرآن ولكن ذلك لم يجدوه ولو وجدوه لكان أيسر ما يطعنون به في القرآن.
والاستيقان من شأنه أن يعقبه الإِيمان إذا صادف عقلاً بريئاً من عوارض الكفر كما وقع لعبد الله بن سَلاَم وقد لا يعقبه الإِيمان لمكابرة أو حسد أو إشفاق من فوات جاه أو مال كما كان شأن كثير من اليهود الذي قال الله فيهم ) يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن كثيراً منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون ( ( البقرة : ١٤٦ ) ولذلك اقتصرت الآية على حصول الاستيقان لهم.
روى الترمذي بسنده إلى جابر بن عبد الله قال : قال ناس من اليهود لأناس من أصحاب النبي ( ﷺ ) هل يعلم نبيئكم عدد خزنة النار ؟، قالوا : لا ندري حتى نسأل نبيئنا. فجاء رجل إلى النبي فقال : يا محمد غُلب أصحابكم اليوم،


الصفحة التالية
Icon