" صفحة رقم ٣٤٦ "
و ) الوَزر ( : المكان الذي يُلجأ إليه للتوقي من إصابة مكروه مثل الجبال والحصون.
فيجوز أن يكون ) كلاّ لا وَزَر ( كلاماً مستأنفاً من جانب الله تعالى جواباً لمقالة الإِنسان، أي لا وزر لكَ، فينبغي الوقفُ على ) المفر ). ويجوز أن يكون من تمام مقالة الإِنسان، أي يقول : أين المفر ؟ ويجيب نفسه بإبطال طعمه فيقول ) كَلاّ لا وزَر ( أي لا وزر لي، وذلك بأن نظر في جهاته فلم يجد إلاّ النار كما ورد في الحديث، فيحسن أن يُوصل ) أين المفر ( بجملة ) كلا لا وَزَر ).
وأما قوله :( إلى ربك يومئذٍ المستقرّ ( فهو كلام من جانب الله تعالى خاطب به النبي ( ﷺ ) في الدنيا بقرينة قوله :( يومئذٍ (، فهو اعتراض وإدْماج للتذكير بمُلك ذلك اليوم.
وفي إضافة ( رب ) إلى ضمير النبي ( ﷺ ) إيماء إلى أنه ناصره يومئذٍ بالانتقام من الذين لم يقبلوا دعوته.
و ) المستقَرّ ( : مصدر ميمي من استقَرّ، إذا قَرّ في المكان ولم ينتقل، والسين والتاء للمبالغة في الوصف.
وتقديم المجرور لإِفادة الحصر، أي إلى ربك لا إلى ملجأ آخر. والمعنى : لا ملجأ يومئذٍ للإِنسان إلاّ منتهياً إلى ربك، وهذا كقوله تعالى :( وإلى الله المصير ( ( آل عمران : ٢٨ ).
وجملة ) يُنَبَّأ الإِنسانُ يومئذٍ بما قدّم وأخَّر ( مستأنفة استئنافاً بيانياً أثارهُ قوله :( إلى ربك يومئذٍ المستقر (، أو بدل اشتمال من مضمون تلك الجملة، أي إلى الله مصيرهم وفي مصيرهم يُنبأون بما قدموا وما أخروا.
وينبغي أن يكون المراد ب ) الإِنسان ( الكافر جرياً على سياق الآيات السابقة لأنه المقصود بالكلام وإن كان كل إنسان ينبأ يومئذٍ بما قدم وأخر من أهل الخير ومن أهل الشر قال تعالى :( يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً وما عملت من سوء الآية ( ( آل عمران : ٣٠ ). واختلاف مقامات الكلام يمنع من حمل ما يقع فيها من الألفاظ على محمل واحد، فإن في القرآن فنوناً من التذكير لا تلزم طريقة واحدة. وهذا مما يغفل عن مراعاته بعض المفسرين في حملهم معاني الآيات المتقاربة المغزى على محامل متماثلة.