" صفحة رقم ٣٥٧ "
وعن المغيرة بن شعبة يقولون : القيامة القيامةُ، وإنما قيامة أحدهم موته، وعن علقمة أنه حضر جنازة فلما دفن قال :( أمَّا هذا فقد قامت قيامته )، فحالة الاحْتضار هي آخر أحوال الحياة الدنيا يَعقبها مصير الروح إلى تصرف الله تعالى مباشرةً.
وهو ردع عن إيثار الدنيا على الآخرة كأنه قيل : ارتدعوا وتنبهوا على ما بَيْن أيديكم من الموت الذي عنده تنقطع العاجلة وتنتقلون إلى الآجلة، فيكون ردعاً على محبة العاجلة وترك العناية في الآخرة، فليس مؤكداً للردع الذي في قوله :( كلا بل تحبون العاجلة ( ( القيامة : ٢٠ ) بل هو ردع على ما تضمنه ذلك الردع من إيثار العاجلة على الآخرة.
و ) إذا بلغت التراقي ( متعلق بالكون الذي يُقدر في الخبر وهو قوله :( إلى ربك ). والمعنى : المساق يكون إلى ربك إذا بلغت التراقي.
وجملة ) إلى ربك يومئذٍ المساق ( بيان للردع وتقريب لإِبطال الاستبعاد المحكي عن منكري البعث بقوله :( يسأل أيّان يوم القيامة ( ( القيامة : ٦ ).
و ) إذا ( ظرف مضمن معنى الشرط، وهو منتصب بجوابه أعني قوله :( إلى ربك يومئذٍ المساق ).
وتقديم ) إلى ربك ( على متعلقه وهو ) المساق ( للاهتمام به لأنه مناط الإِنكار منهم.
وضمير ) بلغت ( راجع إلى غير مذكور في الكلام ولكنه معلوم من فعل ) بلغَتْ ( ومن ذكر ) التراقي ( فإن فعل ) بلغت التراقي ( يدل أنها روح الإنسان. والتقدير : إذا بلغت الروحُ أو النفس. وهذا التقدير يدل عليه الفعل الذي أسند إلى الضمير بحسب عرف أهل اللسان، ومثله قول حاتم الطائي :
أمَاوِيَّ ما يغني الثَّراء عن الفتى
إذا حَشْرَجَتْ يوماً وضاق بهَا الصدر
أي إذا حشرجت النفس. ومن هذا الباب قول العرب ( أرْسَلَتْ ) يريدون : أرسلت السماء المطر، ويجوز أن يقدر في الآية ما يدل عليه الواقع.


الصفحة التالية
Icon