" صفحة رقم ٤٣١ "
وهذا الوصف كناية رمزية عن عظيم قدرة الله تعالى إذ خلق من هذا الماء الضعيف إنساناً شديد القوة عقلاً وجسماً.
وحرف مِن ( للابتداء لأن تكوين الإِنسان نشأ من ذلك الماء، كما تقول : هذه النخلة مِن نواة تَوْزَرِيَّة.
وجعل خلق الإِنسان من ماء الرجل لأنه لا يتم تخلقه إلاّ بذلك الماء إذا لاقى بويضات الدم في الرحم، فاقتصرت الآية على ما هو مشهور بين الناس لأنهم لا يعلمون أكثر من ذلك، وقد بيّن النبي ( ﷺ ) تكوينَ الجنين من ماء المرأة وماء الرجل.
وقوله :( فجعلناه في قرار مكين ( تفصيل لكيفية الخلق على سبيل الإِدماج مع مناسبته لأن له دخلاً في تبيين إمكان الإِعادة إذ شديد القدرة لا يعجزه شيء، ولذلك ذيله بقوله ) فنعم القادرون ( على التفسيرين الآتيين.
والقرار : محل القرور والمكث.
و ) مَكين ( : صفة ل ) قرار (، أي مكان متمكن في ذلك فهو فعيل من مكُن مَكانة، إذا ثبت ورسخ.
ووُصف القرارُ بالمكين على طريقة المجاز العقلي، أي مكين الحالُّ والمستقرّ فيه. فالتقدير : مكين فيه. والمراد بالقرار المكين : الرحم.
والقدَر : بفتح الدال المقدار المعيّن المضبوط، والمراد مقدار من الزمان وهو مدة الحمل.
وقرأ نافع والكسائي وأبو جعفر ) فقدَّرنا ( بتشديد الدال. وقرأه الباقون بتخفيف الدال من قَدر المتعدي وهما بمعنى واحد، يقال : قَدَّر بالتشديد تقديراً فهو مُقدِّر، وقدَر بالتخفيف قَدْراً فهو قادر، إذا جعل الشيء على مقدار مناسب لما جُعل له.
والمعنى : فقدرنا الخلق كقوله تعالى :( من نطفة خلقه فقدَّره ( ( عبس : ١٩ ) وقوله :( وخلق كل شيء فقدره تقديراً ( ( الفرقان : ٢ ).