" صفحة رقم ٦٧ "
جعل المتنبي القوم الذين تركوا نزيلهم يرحل عنهم مع قدرتهم على إمساكه راحلين عن نزيلهم في قوله :
إذا تَرحَّلْت عن قوم وقد قدروا
أن لا تفارقهم فالرَّاحلون هُمُو
ويجوز أن يكون ) المفتون ( مصدراً على وزن المفعول مثل المعقول بمعنى العقل والمجلود بمعنى الجَلْد ؛ والميْسور لليسر، والمعسورِ لضده، وفي المثل ( خُذ من ميْسوره ودَعْ معسوره ).
والباء على هذا للملابسة في محل خبر مقدم على ) المفتون ( وهو مبتدأ.
يُضمن فعل ( تُبصر ويبصرون ) معنى : توقن ويوقنون، على طريق الكناية بفعل الإِبصار عن التحقق لأن أقوى طرق الحسّ البصر ويكون الإِتيان بالباء للإِشارة إلى هذا التضمين. والمعنى : فستعلم يقيناً ويعلمون يقيناً بأيّكم المفتون، فالباء على أصلها من التعدية متعلقة ب ( يبصر ويُبصرون ).
تعليل لجملة :( فستبصر ويبصرون بأيكم المفتون ( ( القلم : ٥ ٦ ) باعتبار ما تضمنته من التعريض بأن الجانب المفتون هو الجانب القائل له ) إنك لمجنون ( ( الحجر : ٦ ) وأن ضده بضده هو الراجع العقل أي الذي أخبرك بما كنّى عنه قوله :( فستبصر ويبصرون ( ( القلم : ٥ ) من أنهم المجانين هو الأعلم بالفريقين وهو الذي أنبأك بأن سيتضح الحق لأبصارهم فتعين أن المفتون هو الفريق الذين وسموا النبي ( ﷺ ) بأنه مجنون المردودُ عليهم بقوله تعالى :( ما أنت بنعمة ربك بمجنون ( ( القلم : ٢ ) إذ هم الضالون عن سبيل ربّ النبي ( ﷺ ) لا محالة، وينتظم بالتدرج من أول السورة إلى هنا أقيسَة مساواةٍ مندرج بعضها في بعض تقتضي مساواة حقيقة من ضل عن سبل رب النبي ( ﷺ ) بحقيقة المفتون. ومساواة حقيقة المفتون بحقيقة المجنون، فتُنتج أن فريق المشركين هم المتصفون بالجنون بقاعدة قياس المساواة أن مُساوِيَ المساوي لشيء مساوٍ لذلك الشيء.


الصفحة التالية
Icon