" صفحة رقم ٩ "
افتتحت السورة بما يدل على منتهى كمال الله تعالى افتتاحاً يؤذن بأن ما حَوتْه يحوم حول تنزيه الله تعالى عن النقص الذي افتراه المشركون لمّا نسبوا إليه شركاء في الربوبية والتصرف معه والتعطيل لبعض مراده. ففي هذا الافتتاح براعة الاستهلال كما تقدم في طالع سورة الفرقان.
وفعل ) تَبَاركَ ( يدل على المبالغة في وفرة الخير، وهو في مقام الثناء يقتضي العموم بالقرينة، أي يفيد أن كل وفرة من الكمال ثابتة لله تعالى بحيث لا يتخلف نوع منها عن أن يكون صفة له تعالى.
وصيغة تفاعَل إذا أسندت إلى واحد تدل على تكلف فعل ما اشتقت منه نحو تَطاول وتغابن، وترد كناية عن قوة الفعل وشدته مثل : تواصل الحبل.
وهو مشتق من البَركة، وهي زيادة الخير ووفرته، وتقدمت البركة عند قوله تعالى :( وبركات عليك في ( ( سورة هود : ٤٨ ).
وتقدم ) تَبَارَكَ ( عند قوله تعالى :( تبارك الله رب العالمين في أول ( ( الأعراف : ٥٤ ).
وهذا الكلام يجوز أن يكون مراداً به مجرد الإخبار عن عظمة الله تعالى وكماله ويجوز أن يكون مع ذلك إنشاء ثناء على الله أثناه على نفسه، وتعليماً للناس كيف يثنون على الله ويحمدونه كما في ) الحمد لله ربَ العالمين ( ( الفاتحة : ٢ ) : إمّا على وجه الكناية بالجملة عن إنشاء الثناء، وإمّا باستعمال الصيغة المشتركة بين الإخبار والإنشاء في معنييها، ولو صيغ بغير هذا الأسلوب لما احتمل هاذين المعنيين، وقد تقدم في قوله تعالى :( تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ( ( الفرقان : ١ ).
وجُعل المسندُ إليه اسمَ موصول للإِيذان بأن معنى الصلة، مما اشتهر به كما هو غالب أحوال الموصول فصارت الصلة مغنية عن الاسم العلم لاستوائهما في الاختصاص به إذ يعلم كل أحد أن الاختصاص بالملك الكامل المطلق ليس إلاّ لله.


الصفحة التالية
Icon