" صفحة رقم ١٤٥ "
شركاء، أو اتّخذوا له أبناء، وتَهديد المشركين بأنّ أمرهم إلى زوال، وألاّ يغرّهم ما هم فيه من البذخ، وأنّ ما أعدّ للمؤمنين خير من ذلك، وتهديدهم بزوال سلطانهم، ثم الثناء على عيسى عليه السلام وآل بيته، وذكر معجزة ظهوره، وأنّه مخلوق لله، وذكر الذين آمنوا به حقاً. وإبطال إلاهية عيسى، ومن ثَمّ أفضى إلى قضية وفد نجران ولجاجتهم، ثم محاجّة أهل الكتابين في حقيقة الحنيفية وأنّهم بعداء عنها، وما أخذ الله من العهد على الرسل كلّهم : أن يؤمنوا بالرسول الخاتم، وأنّ الله جعل الكعبة أول بيت وضع للناس، وقد أعاد إليه الدين الحنيف كما ابتدأه فيه، وأوجب حجّه على المؤمنين، وأظهر ضلالات اليهود، وسوء مقالتهم، وافترائِهم في دينهم وكتمانهم ما أنزل إليهم. وذكَّر المسلمين بنعمته عليهم بدين الإسلام، وأمرهم بالاتّحاد والوفاق، وذكَّرهم بسابق سوء حالهم في الجاهلية، وهوّن عليهم تظاهر معانديهم من أهل الكتاب والمشركين، وذكَّرهم بالحذر من كيدهم وكيد الذين أظهروا الإسلام ثم عادوا إلى الكفر فكانوا مثلاً لتمييز الخبيث من الطيب، وأمرهم بالاعتزاز بأنفسهم، والصبر على تلقّي الشدائد، والبلاء، وأذى العدوِّ، ووعدهم على ذلك بالنَّصر والتأييد وإلقاء الرعب منهم في نفوس عدوّهم، ثم ذكّرهم بيوم أحُد، ويوم بدر، وضرب لهم الأمثال بما حصل فيهما، ونوّه، بشأن الشهداء من المسلمين، وأمر المسلمين بفضائل الأعمال : من بذل المال في مواساة الأمة، والإحسان، وفضائل الأعمال، وترك البخل، ومذّمة الربا وختمت السورة بآيات التفكير في ملكوت الله.
وقد عملتَ أنّ سبب نزول هذه السورة قضية وفد نجران من بلاد اليمن. ووفد نجران هم قوم من نجران بلغهم مَبعث النبي ( ﷺ ) وكان أهل نجران متديّنين بالنصرانية، وهم من أصدق العرب تمسّكاً بدين المسيح، وفيهم رهبان مشاهير، وقد أقاموا للمسيحية كعبة ببلادهم هي التي أشار إليها الأعشى حين مدحهم بقوله :
فكَعْبَةُ نَجْرَان حَتْمٌ عَلَيْككِ حَتَّى تُنَاخِي بأبوابها
فاجتمع وفد منهم يرأسه العَاقِب فيه ستون رجلاً واسمُه عبد المسيح، وهو أمير الوفد، ومعه السَّيِّد واسمه الأيْهم، وهو ثِمَال القوممِ وولي تدبير الوفد، ومشيره وذو


الصفحة التالية
Icon