" صفحة رقم ١٧٦ "
وقد قيل : أريد بالذين كفروا خصوص اليهود، وذكروا لذلك سبباً رواه الواحدي، في أسباب النزول : أنّ يهود يَثرب كانوا عاهدوا رسول الله ( ﷺ ) إلى مدّة فلمّا أصاب المسلمين يوم أحد ما أصابهم من النكبة. نقضوا العهد وانطلق كعب بن الأشْرَف في ستين راكباً إلى أبي سفيان بمكة وقالوا لهم : لتكونَنّ كلمتنا واحدة، فلمّا رجعوا إلى المدينة أنزلت هذه الآية.
وروى محمد بن إسحاق : أنّ رسول الله ( ﷺ ) لما غَلَب قريشاً ببدر، ورجع إلى المدينة، جمع اليهودَ وقال لهم :( يا معشر اليهود احذروا من الله مثل ما نزل بقريش وأسلموا فقد عرفتم، أنّي نبيء مرسل ) فقالوا :( يا محمد لا يغرنّك أنّك لقيتَ قوماً أغمارَا لا معرفة لهم بالحرب فأصبْتَ فيهم فرصة أمَا والله لو قاتلناك لعرفتَ أنّا نحن الناس ) فأنزل الله هذه الآية. وعلى هاتين الروايتين فالغلب الذي أنذروا به هو فتح قريظة والنضِير وخَيبر، وأيضاً فالتهديد والوعيد شامل للفريقين في جميع الأحوال.
وعطف ) بئس المهاد ( على ) ستغلبون ( عطف الإنشاء على الخبر.
وقرأ الجمهور ) ستُغلبون وتُحشرون ( كلتيهما بتاء الخطاب وقرأه حمزة، والكسائي، وخلَف : بياء الغيبة، وهما وجهان فيما يحكَى بالقول لمخاطب، والخطابُ أكثر : كقوله تعالى :( ما قلتُ لهم إلاّ ما أمرتني به أن اعبُدوا الله ربّي وربّكم ( ( المائدة : ١١٧ ) ولم يقل ربَّك وربَّهم.
والخطاب في قوله :( قد كان لكم آية ( خطاب للذين كفروا، كما هو الظاهر ؛ لأنّ المقام للمحاجّة، فأعقب الإنذار والوعيد بإقامة الحجّة. فيكون من جملة المقول، ويجوز أن يكون الخطاب للمسلمين، فيكون استئنافاً ناشئاً عن قوله ستُغلبون ؛ إذ لعلّ كثرة المخاطبين من المشركين، أو اليهود، أو كليهما، يثير تعجّب السامعين من غلبهم فذكرهم الله بما كان يوم بدر.
والفئتان هما المسلمون والمشركون يوم بدر.
والالتقاء : اللقاء، وصيغة الافتعال فيه للمبالغة، واللقاء مصادفة الشخصصِ شخصاً في مَكان واحد، ويطلق اللقاء على البروز للقتال كما في قوله تعالى :( يأيها الذين ءامنوا إذا


الصفحة التالية
Icon