" صفحة رقم ١٧٧ "
لقيتم الذين كفروا زَحفاً فلا تولّوهم الأدبار ( ( الأنفال : ١٥ ) وسيأتي. والالتقاء يطلق كذلك كقول أنَيْف بن زَبَّان :
فلَمَّا التقينا بيَّن السيف بينَنَا
لسائلةٍ عنّا حَفيَ سُؤَالُها
وهذه الآية تحتمل المعنيين.
وقوله :( فئة تقاتل ( تفصيل للفئتين، وهو مرفوع على أنّه صدر جملة للاستئناف في التفصيل والتقسيممِ، الوارد بعد الإجمال والجمع.
والفئة : الجماعة من الناس ؛ وقد تقدّم الكلام عليها في قوله تعالى :( كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن اللَّه في سورة البقرة ( ٢٤٩ ).
والخطاب في : يرونهم ( كالخطاب في قوله :( قد كان لكم ).
والرؤية هنا بصرية لقوله :( رأى العين ). والظاهر أنّ الكفار رأوا المسلمين يوم بدر عند اللقاء والتلاحم مثلي عددهم، فوقع الرعب في قلوبهم فانهزموا. فهذه الرؤية جعلت آية لمن رأوها وتحقّقوا بعد الهزيمة أنّهم كانوا واهمين فيما رأوه ليكون ذلك أشدّ حسرة لهم، وتكون هذه الرؤية غير الرؤية المذكورة في الأنفال ( ٤٤ ) بقوله :( ويقلِّلُكم في أعينهم فإنّ تلك يناسب أن تكون وقعت قبل التلاحم، حتى يستخفّ المشركون بالمسلمين، فلا يأخذوا أهبتهم للقائهم، فلمّا لاَقوهم رأوهم مثلي عددهم فدخلهم الرعْب والهزيمة، وتحققوا قلّة المسلمين بعد انكشاف الملحمة فقد كانت إرادة القلّة وإرادة الكثرة سببي نصر للمسلمين بعجيب صنع الله تعالى. وجوّز أن يكون المسلمون رأوا المشركين مِثلي عدد المؤمنين، وكان المشركون ثلاثة أمثالهم، فقلّلهم الله في أعين أنّهم ثلاثةُ أضعافهم لخافوا الهزيمة، وتكون هذه الإراءة هي الإراءة المذكورة في سورة الأنفال ( ٤٤ ) : وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلاً ويكون ضمير الغيبة في قوله :( مقليهم ) راجعاً للمسلمين على طريقة الالتفات، وأصله ترونهم مثليكُم على أنّه من المقول.


الصفحة التالية
Icon