" صفحة رقم ١٧٨ "
وقرأ نافع وأبو جعفر ويعقوب : ترونهم بتاء الخطاب وقرأه الباقون بياء الغيبة : على أنّه حال من وأخرى كافرة (، أو من ) فئة تقاتل في سبيل الله ( أي مثلي عدد المرئين. إن كان الراءون هم المشركين، أو مثلي عدد الرائين، إن كان الراءون هم المسلمين ؛ لأنّ كليهما جرى ضميره على الغيبة وكلتا الرؤيتين قد وقعت يوم بدر. وكلّ فئة علمت رؤيتها وتُحُدّيت بهاته الآية. وعلى هذه القراءة يكون العدول عن التعبير بفئتكم وفئتهم إلى قوله :( فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة (، لقصد صلوحية ضمير الغيبة لكلتا الفئتين، فيفيد اللفظ آيتين على التوزيع، بطريقة التوجيه.
و ( رأيَ العين ) مصدر مبيّن لنوع الرؤية : إذ كان ( فعل رأى ) يحتمل البصر والقلب، وإضافته إلى العَين دليل على أنّه يستعمل مصدراً لرأى القلبية، كيف والرأي اسم للعقل، وتشاركها فيها رأي البصرية، بخلاف الرؤية فخاصّة بالبصرية.
وجملة ) والله يؤيد بنصره من يشاء ( تذييل ؛ لأنّ تلك الرؤية كيفما فسّرت تأييد للمسلمين، قال تعالى :( وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلاً ويقلّلكم في أعينهم ليقضي الله أمراً كان مفعولاً ( ( الأنفال : ٤٤ ).
) ) زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَآءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذاَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَواةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَأَبِ ).
) زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَآءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذاَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَواةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَأَبِ ).
استئناف نشأ عن قوله :( لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم ( ( آل عمران : ١٠ ) إذ كانت إضافة أمواللٍ وأولاد إلى ضمير ( هم ) دالة على أنّها معلومة للمسلمين. قُصد منه عِظة المسلمين ألاّ يغترّوا بحال الذين كفروا فتعجبهم زينة الدنيا، وتلهيهم عن التهمّم بما بِه الفوز في الآخرة ؛ فإنّ التحذير من الغايات يستدعي التحذير من البدايات. وقد صُدّر هذا الوعظ والتأديب ببيان مدخل هذه الحالة إلى النفوس، حتى يكونوا على أشدّ الحذر منها ؛ لأنّ ما قرارته النفس ينساب إليها مع الأنفاس.


الصفحة التالية
Icon