" صفحة رقم ١٧٩ "
والتزيين تصْيير الشيء زَيناً أي حسَناً، فهو تحسين الشيء المحتاج إلى التحسين، وإزالةُ ما يعتريه من القبْح أو التشويه، ولذلك سمّي الحَلاق مزيِّناً.
وقال امرؤ القيس :
الحرب أول ما تكون فتيَّة
تَسْعى بِزِينتها لكلّ جهول
فالزينة هي ما في الشيء من المحاسن : التي ترغِّب الناظرين في اقتنائه، قال تعالى :( تريد زينة الحياةِ الدنيا ( ( الكهف : ٢٨ ). وكلمة زَيْن قليلة الدوران في كلام العرب مع حسنِها وخفّتها قال عمر بن أبي ربيعة :
أزمَعَتْ خُلَّتِي مع الفجر بَيْنَا
جَلَّل اللَّهُ ذلك الوَجْهَ زيْنا
وفي حديث ( سنن أبي داود ) : أنّ أبا بَرزة الأسلَمِيّ دخل على عُبيد الله بن زياد وقد أرسل إليه ليسأله عن حديث الحوض فلمّا دخل أبو برزة قال عبيدُ اللَّه لجلسائه : إنّ محمَّدِيَّكُم هذا الدحْداح. قال أبو برزة :( ما كنتُ أحسب أنّي أبقَى في قوم يعيّرونني بصحبة محمد ). فقال عبيد الله :( إنّ صُحبة محمد لك زَيْنٌ غيرُ شَيْن ).
والشهوات جمع شهوة، وأصل الشهوة مصدر شهِي كرضي، والشهوة بزنة المَرّة، وأكثر استعمال مصدر شَهِي أن يكون بزنة المَرة. وأطلقت الشهوات هنا على الأشياء المشتهاة على وجه المبالغة في قوة الوصف. وتعليقُ التزيين بالحبّ جرى على خلاف مقتضى الظاهر ؛ لأنّ المزيَّن للناس هو الشهواتُ، أي المشتهيات نفسها، لا حبُّها، فإذا زُينت لهم أحَبُّوها ؛ فإنّ الحبّ ينشأ عن الاستحسان، وليس الحبّ بمزيَّن، وهذا إيجاز يغني عن أن يقال زينت للناس الشهوات فأحبّوها، وقد سكت المفسّرون عن وجه نظم الكلام بهذا التعليق.
والوجه عندي إمّا أن يجعل ) حبّ الشهوات ( مصدراً نائباً عن مفعول مطلق، مبيّناً لنوع التزيين : أي زيّن لهم تزيين حب، وهو أشدّ التزيين، وجُعل المفعول المطلق نائباً عن الفاعل، وأصل الكلام : زُيّن للناس الشهواتُ حُبَّاً، فحُوِّل وأضيف إلى النائب عن الفاعل، وجعل نائباً عن الفاعل، كما جعل مفعولاً في قوله تعالى :( فقال إنّي أحببت حُبّ الخير عن ذكر ربي ( ( ص : ٣٢ ). وإما أن يجعل حبّ مصدراً بمعنى المفعول، أي


الصفحة التالية
Icon