" صفحة رقم ١٨٠ "
محبوبُ الشهوات أي الشهوات المحبوبة. وإمّا أن يجعل زُين كناية مراداً به لازم التزيين وهو إقبال النفس على ما في المزيَّن من المستحسنات مع ستر ما فيه من الأضرار، فعبّر عن ذلك بالتزيين، أي تحسِين ما ليس بخالص الحسن فإنّ مشتهيات الناس تشتمل على أمور ملائمة مقبولة، وقد تكون في كثير منها مضارّ، أشدُّها أنّها تشغل عن كمالات كثيرة فلذلك كانت كالشيء المزيَّن تغطَّى نقائصه بالمزيّنات، وبذلك لم يبق في تعليق زيّن بحُب إشكال.
وحذف فاعل التزيين لخفائه عن إدراك عموم المخاطبين، لأنّ ما يدل على الغرائز والسجايا، لما جُهل فاعله في متعارف العموم، كان الشأن إسناد أفعاله للمجهول : كقولهم عُني بكذا، واضْطُرّ إلى كذا، لا سيما إذا كان المراد الكناية عن لازم التزيين، وهو الإغضاء عمّا في المزيَّن من المساوي ؛ لأنّ الفاعل لم يبق مقصوداً بحال، والمزيِّنُ في نفس الأمر هو إدراك الإنسان الذي أحبّ الشهواتتِ، وذلك أمر جبلِيٌّ جعله الله في نظام الخلقة قال تعالى :( وذلّلناها لهم فمنها رَكوبهم ومنها يأكلون ( ( يس : ٧٢ ).
ولما رجع التزيين إلى انفعال في الجبلّة، كان فاعلُه على الحقيقة هو خالقَ هذه الجبلاّت، فالمزيِّن هو الله بخَلْقه لا بِدَعوته، وروى مثل هذا عن عُمر بن الخطاب، وإذا التفتنا إلى الأسباب القريبة المباشرة. كان المزّيِّن هو مَيْلَ النفس إلى المشتهى، أو ترغيبَ الداعين إلى تناول الشهوات : من الخِلاّن والقُرناء، وعن الحسن : المزيِّن هو الشيطان، وكأنّه ذهب إلى أنّ التزيين بمعنى التسويل والترغيب بالوسوسة للشهوات الذميمة والفساد، وقصَرَه على هذا وهو بعيد لأنّ تزيين هذه الشهوات في ذاته قد يوافق وجه الإباحة والطاعة، فليس يلازمها تسويل الشيطان إلاّ إذا جعلها وسائل للحرام، وفي الحديث :( قالوا : يا رسول الله أيأتي أحدُنا شهوَته ولَهُ فيها أجْر فقال : أرأيتم لو وضعَها في حرام أكان عليه وِزر، فكذلك إذا وضَعها في الحلال كان له أجر ) وسياق الآية تفضيل معالي الأمور وصالِح الأعمال على المشتهيات المخلوطةِ أنواعُها بحلال منها وحرام، والمعرَّضة للزوال، فإنّ الكمال بتزكية النفس لتبلُغ الدرجات القدسية، وتنال النعيم الأبدي العظيم ؛ كما أشار إليه قوله :( ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المئاب ).


الصفحة التالية
Icon