" صفحة رقم ١٨٩ "
أو آجلاً، فما من أهل دين إلاّ وهم يترقّبون جزاء من رب ذلك الدين، فالمشركون يطمعون في إعانة الآلهة ووساطتهم ورضاهم عنهم، ويقولون : هؤلاء شفعاؤنا عند الله، وقال أبو سفيان يوم أحُد : أعْلُ هُبَلْ. وقال يوم فتح مكة لما قال له العباس : أما آن لك أن تشهد أن لا إله إلا الله :( لقد علمتُ أنْ لو كان معه إله غَيرُه لقد أغنى عَنّي شيئاً ). وأهل الأديان الإلهيَّة يترقّبون الجزاء الأوْفَى في الدنيا والآخرة، فأول دين إلهي كان حقاً وبه كان اهتداء الإنسان، ثم طرأت الأديان المكذوبة، وتشبّهت بالأديان الصحيحة، قال الله تعالى تعليماً لرسوله ) لكم دينكم ولي ديني ( ( الكافرون : ٦ ) وقال :( ما كان ليأخذ أخاه فِي دِين الملك ( ( يوسف : ٧٦ ).
وقد عرّف العلماء الدين الصحيح بأنّه ( وضعٌ إلهيٌّ سائق لذوي العقول باختيارهم المحمود إلى الخيْر باطناً وظاهراً ).
والإسلام علم بالغلبة على مجموع الدِّين الذي جاء به محمد ( ﷺ ) كما أُطلق على ذلك الإيمان أيضاً، ولذلك لقب أَتباع هذا الدين بالمسلمين وبالمؤمنين، وهو الإطلاق المراد هنا، وهو تسمية بمصدر أَسْلَم إذا أذْعَن ولم يعاند إذعاناً عن اعتراف بحق لا عن عجز، وهذا اللقب أولى بالإطلاق على هذا الدين من لقب الإيمان ؛ لأنّ الإسلام هو المظهر البين لمتابعة الرسول فيما جاء به من الحق، واطّراح كل حائل يحول دون ذلك، بخلاف الإيمان فإنّه اعتقاد قلبي، ولذلك قال الله تعالى :( هو سمَّاكم المسلمين ( ( الحج : ٧٨ ) وقال :( فقل أسلمتُ وجهي للَّه ومن اتّبعني ( ( آل عمران : ٢٠ ) ولأنّ الإسلام لا يكون إلاّ عن اعتقاد لأنّ الفعل أثر الإدراك، بخلاف العكس فقد يكون الإعتقاد مع المكابرة.
وربما أطلق الإسلام على خصوص الأعمال ؛ والإيمان على الإعتقاد، وهو إطلاق مناسب لحالتي التفكيك بين الأمرين في الواقع، كما في قوله تعالى، خطاباً لقوم أسلموا متردّدين ) قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولمَّا يدخل الإيمان في قلوبكم ( ( الحجرات : ١٤ )، أو التفكيك في تصوير الماهية عند التعليم لحقائق المعاني الشرعية أو اللغوية كما وقع في حديث جبريل : من ذكر معنى الإيمان، والإسلام، والإحسان.
والتعريف في الدين تعريف الجنس ؛ إذ لا يستقيم معنى العهد الخارجي هنا وتعريف الإسلام تعريف العلم بالغلبة : لأنّ الإسلام صار علماً بالغَلَبة على الدين المحمّدي.


الصفحة التالية
Icon