" صفحة رقم ١٩٨ "
ومنها أنّهم أجمعوا على مخالفة الإسلام والإعراضضِ عنه بغياً منهم وحسداً، مع ظهور أحقّيته عند علمائهم وأحبارهم كما قال تعالى :( الذين ءاتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقاً منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون الحق من ربك فلا تكوننّ من الممترين ( ( البقرة : ١٤٦، ١٤٧ )، وقال تعالى :( ودّ كثير من أهل الكتاب لو يردّونكم من بعد إيمانكم كفّاراً حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبيّن لهم الحق ( ( البقرة : ١٠٩ ) أي أعرضوا عن الإسلام، وصمّموا على البقاء على دينهم، وودّوا لو يردّونكم إلى الشرك أو إلى متابعة دينهم حسداً على ما جاءكم من الهُدى بعد أن تبيّن لهم أنّه الحق.
ولأجل أن يسمح نظم الآية بهذه المعاني، حُذِف متعلِّق الاختلاف في قوله :( اختلف الذين أوتوا الكتاب ( ليشمل كلّ اختلاف منهم : من مخالفة بعضهم بعضاً في الدين الواحد، ومخالفة أهل كلّ دين لأهل الدين الآخر، ومخالفة جميعهم للمسلمين في صحّة الدين.
وحُذف متعلّق العلم في قوله :( من بعد ما جاءهم العلم ( لذلك.
وجُعل ( بغيا ) عقب قوله :( من بعد ما جاءهم العلم ) ليتنازعه كلُّ من فعل ( اختلف ) ومن لفظ ( العِلم ).
وأُخِّر بينَهم عن جميع ما يصلح للتعليق به : ليتنازعه كلّ من فعل ( اختلف ) وفِعل ( جاءَهم ) ولفظِ ( العِلم ) ولفظ ( بَغيا ).
وبذلك تعلم أنّ معنى هذه الآية أوسع معانيَ من معاني قوله تعالى :( وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم للبينات بغيا بينهم في سورة البقرة ( ٢١٣ ) وقوله : وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلاّ من بعد ما جاءتهم البيّنة في سورة البيّنة ( ٤ ) كما ذكرناه في ذينك الموضعين لاختلاف المقامين.
فاختلاف الذين أوتوا الكتاب يشمل اختلافهم فيما بينهم : أي اختلاف أهل كل ملّة في أمور دينها، وهذا هو الذي تشعر بها صيغة اختلف كاختلاف اليهود بعد موسى غيرَ مرة، واختلافِهم بعد سليمانَ إلى مملكتين : مملكة إسرائيل، ومملكة يَهُوذا، وكيف صار لكلّ مملكة من المملكتين تديُّنٌ يخالف تديُّنَ الأخرى، وكذلك اختلاف


الصفحة التالية
Icon