" صفحة رقم ٢٠٢ "
الطريقة الثالثة ما قاله الفخر وحاصله مع بيانه أن يكون هذا مرتبطً بقوله :( إن الذين عند الله الإسلام ( ( آل عمران : ١٩ ) أي فإن حاجّوك في أنّ الدين عند الله الإسلام، فقل : إنّي بالإسلام أسلمتُ وجهي لله فلا ألتفتُ إلى عبادة غيره مثلكم، فديني الذي أرسلتُ به هو الدين عند الله ( أي هو الدين الحقّ وما أنتم عليه ليس ديناً عند الله ).
وعلى الطريقتين الأوليين في كلام المفسّرين جعلوا قوله :( وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم ( خارجاً عن الحجة ؛ إذ لا علاقة بينه وبين كون الإسلام هو ملّة إبراهيم، ويكون مراداً منه الدعوة إلى الإسلام مرة أخرى بطريقة الاستفهام المستعمل في التحْضيض كقوله :( فهل أنتم منتهون ( ( المائدة : ٩١ ) أي قل لأولئك : أتُسلمون.
وعندي أنّ التعليق بالشرط لما اقتضى أنّه للمستقبل فالمراد بفعل :( حاجُّوك ) الاستمرار على المحاجّة : أي فإن استمرّ وفدُ نجران على محاجّتهم فقل لهم قولاً فَصْلاً جامعاً للفَرْق بين دينك الذي أرسلتَ به وبين ما هُم متديّنون به. فمعنى ) أسلمت وجهي لله ( أخلصت عبوديتي له لا أوَجِّه وجهي إلى غيره، فالمراد أنّ هذا كُنْه دين الإسلام، وتَبيَّن أنَّه الدين الخالص، وأنّهم لا يُلْفُوْن تَدَيّنهم على هذا الوصففِ.
وقوله :( وقل للذين أوتوا الكتاب والأمين أأسلمتم ( معطوف على جملة الشرط المفرّعة على ما قبلها، فيدخل المعطوف في التفريع، فيكون تقديرُ النظم : ومن يكفر بآيات الله فإنّ الله سريع الحساب فقُل للذين كفروا بآيات الله الذين أوتوا الكتاب والأميّين : أأسلمتم، أي فكرِّرْ دعوتهم إلى الإسلام.
والاستفهامُ مستعمل في الاستبطاء والتحضيض كما في قوله تعالى :( فهل أنتم منتهون ( ( المائدة : ٩١ ). وجيء بصيغة الماضي في قوله :( أأسلمتم ( دون أن يقول أتسلمون على خلاف مقتضى الظاهر، للتنبيه على أنّه يَرجو تحقق إسلامهم، حتى يكونَ كالحاصل في الماضي.
اعلم أنّ قوله :( أسلمت وجهي لله ( كلمة جامعة لمعاني كنه الإسلام وأصوله ألقيت إلى الناس ليتدبّروا مطاويها فيهتدي الضالون، ويزداد المسلمون يقيناً بدينهم ؛ إذ قد علمنا أنّ مجيء قوله :( أسلمت وجهي لله ( عقب قوله :( إن الدين عند الله الإسلام ( ( آل عمران : ١٩ ) وقوله :( فإن حاجوك ( وتعقيبه بقوله :( أأسلمتم ( أنّ المقصود منه بيان جامع معاني الإسلام حتى


الصفحة التالية
Icon