" صفحة رقم ٢٠٦ "
من القرآن. والمناسبة : جريان الجدال مع النصارى وأن جُعلوا جميعاً في قَرَن قولِه :( وقل للذين أوتوا الكتاب والأمين أأسلمتم ( ( آل عمران : ٢٠ ).
وجيء في هاته الصلات بالأفعال المضارعة لتدل على استحضار الحالة الفظية، وليس المراد إفادة التجدّد ؛ لأنّ ذلك وإن تأتَّى في قوله :( يكفرون ( لا يتأتَّى في قوله :( ويقتلون ( لأنَّهم قتلوا الأنبياء والذين يأمرون بالقسط في زمننٍ مضى. والمراد من أصحاب هذه الصلات يهود العَصر النبوي : لأنّهم الذين توعّدهم بعذاب أليم، وإنّما حَمَل هؤلاء تبِعة أسلافهم لأنّهم معتقدون سداد ما فعله أسلافهم، الذين قتلوا زكرياء لأنّه حاول تخليصَ ابنه يَحيَى من القتل، وقتلوا يحيَى لإيمانه بعيسى، وقتلوا النبي إرْمِيَاء بمصر، وقتلوا حزقيال النبي لأجل توبيخه لهم على سوء أفعالهم، وزعموا أنّهم قتلوا عيسى عليه السلام، فهو معدود عليهم بإقرارهم وإن كانوا كاذبين فيه، وقَتَل مَنشا ابنُ حزقيال، ملكُ إسرائيل، النبي أشعياء : نشره بالمِنشار لأنّه نهاه عن المنكر، بمرأى ومسمع من بني إسرائيل، ولم يحموه، فكان هذا القتل معدوداً عليهم، وكم قتلوا ممّن يأمرون بالقسط، وكل تلك الجرائم معدودة عليهم ؛ لأنّهم رضُوا بها، وألَحّوا في وقوعها.
وقوله :( بغير حق ( ظرف مستقر في موضع الحال المؤكّدة لمضمون جملةِ ) يقتلون النبيّئين ( إذ لا يكون قتل النبيّئين إلاّ بغير حق، وليس له مفهوم لظهور عدم إرادة التقييد والاحترازِ ؛ فإنّه لا يقتل نبيء بحق، فذكر القيد في مثله لا إشكال عليه، وإنّما يجيء الإشكال في القيد الواقع في حَيّز النفي، إذا لم يكن المقصود تسلّط النفي عليه مثل قوله تعالى :( لا يسألون الناس إلحافاً ( ( البقرة : ٢٧٣ ) وقولِه :( ولا تكونوا أول كافر به ولا تشتروا بآياتي ثمناً قليلاً وقد تقدم في سورة البقرة ( ٤١ ).
والمقصود من هذه الحال زيادة تشويه فعلهم.
ولما كان قوله : ويقتلون الذين يأمرون بالقسط ( مومئاً إلى وجه بناء الخبر : وهو أنَّهم إنّما قتلوهم لأنّهم يأمرون بالقسط أي بالحق، فقد اكتفي بها في الدلالة على الشناعة، فلم تحتج إلى زيادة التشنيع.


الصفحة التالية
Icon