" صفحة رقم ٢٠٩ "
والرؤية بصرية بدليل تعديتها بحرف إلى : الذي يتعدى به فعل النظر، وجوز صاحب الكشاف في قوله تعالى :( ألم تر إلى الذي أوتوا نصيباً من الكتاب يشترون الضلالة في سورة النساء ( ٤٤ ) : أن تكون الرؤية قلبية، وتكون ( إلى ) داخلة على المفعول الأول لتأكيد اتّصال العِلم بالمعلوم وانتهائه المجازي إليه، فتكون مثل قوله : ألم تر إلى الذي حاجّ إبراهيم ( ( البقرة : ٢٥٨ ).
وعُرف المتحدّث عنهم بطريق الموصولية دون لقبهم، أعني اليهودَ : لأنّ في الصلة ما يزيد التعجيب من حالهم ؛ لأنّ كونهم على علم من الكتاب قليللٍ أو كثير من شأنه أن يصدّهم عمّا أخبر به عنهم. على ما في هذه الصلة أيضاً من توهين علمهم المزعوم.
والكتاب : التوراة فالتعريف للعهد، وهو الظاهر، وقيل : هو للجنس.
والمراد بالذين أوتوه هم اليهود، وقيل : أريد النصارى، أي أهل نجران.
والنصيب : القسط والحظّ وتقدم عند قوله تعالى :( أولئك لهم نصيب ممّا كسبوا في سورة البقرة ( ٢٠٢ ).
وتنكير نصيباً ( للنوعية، وليس للتعظيم ؛ لأنّ المقام مقام تهاون بهم، ويحتمل أن يكون التنوين للتقليل.
و ) من ( للتبعيض، كما هو الظاهر من لفظ النصيب، فالمراد بالكتاب جنس الكتب، والنصيب هو كتابُهم، والمراد : أوتوا بعض كتابهم، تعريضاً بأنّهم لا يعلمون من كتابهم إلاّ حظّاً يسيراً، ويجوز كون مِن للبيان. والمعنى : أوتوا حظّاً من حظوظ الكمال، هو الكتاب الذي أوتوه.
وجملة ) يدعون إلى كتاب الله ( في موضوع الحال لأنّها محل التعجيب، وذلك باعتبار ضميمة ما عطف عليها، وهو، قوله :( ثم يتولى فريق منهم ( لأنّ ذلك هو العجيب لا أصل دعوتهم إلى كتاب الله، وإذا جعلت ( تَر ) قلبية فجملة يدعون في موضع المفعول الثاني وقد علمتَ بُعده.
و ) كتاب الله ( : القرآن كما في قوله :( نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب اللَّه وراء ظهورهم ( ( البقرة : ١٠١ ). فهو غير الكتاب المراد في قوله :( من الكتاب ( كما ينبىء به تغيير


الصفحة التالية
Icon