" صفحة رقم ٢١٧ "
منّي وأنا منك ) في معنى شدة الاتّصال حتى كأنّ أحدهما جزء من الآخر، أو مبتدأ منه، ويقولون في الانفصال والقطيعة : لست منّي ولست منك ؛ قال النابغة :
فإنّي لستُ منك ولستَ منّي
فقوله :( في شيء ( تصريح بعموم النفي في جميع الأحوال لرفع احتمال تأويل نفي الاتّصال بأغلب الأحوال فالمعنى أنّ فاعل ذلك مقطوع عن الانتماء إلى الله، وهذا ينادي على أنّ المنهي عنه هنا ضرب من ضروب الكفر، وهو الحال التي كان عليها المنافقون، وكانوا يظنّون ترويجها على المؤمنين، ففضحهم الله تعالى، ولذلك قيل : إنّ هذه الآية نزلت في المنافقين، ومِمَّا يدل على ذلك أنّها نظير الآية الأخرى :( يأيها الذين ءامنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطاناً مبيناً إنّ المنافقين في الدّرَك الأسفل من النار ( ( النساء : ١٤٤، ١٤٥ ).
وقيل : لا مفهوم لقوله :( من دون المؤمنين ( لأنّ آيات كثيرة دلت على النهي عن ولاية الكافرين مطلقاً : كقوله :( يأيها الذين ءامنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ( ( المائدة : ٥١ ) وقوله ) يأيها الذين ءامنوا لا تتخذوا الذين اتّخذوا دينكم هزؤاً ولعباً من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفّار أولياء ( ( المائدة : ٥٧ ) وإلى هذا الوجه مالَ الفخر.
واسم الإشارة في قوله :( ذلك ( بمعنى ذلك المذكور، وهو مضمون قوله :( أولياء من دون المؤمنين ).
والآية نهي عن موالاة الكافرين دون المؤمنين باعتبار القيد أو مطلقاً، والموالاة تكون بالظاهر والباطن وبالظاهر فقط، وتعتورها أحوال تتبعها أحكام، وقد استخلصتُ من ذلك ثمانية أحوال.
الحالة الأولى : أن يتّخذ المسلم جماعة الكفر، أو طائفته، أولياء له في باطن أمره، ميلاً إلى كفرهم، ونواء لأهل الإسلام، وهذه الحالة كفر، وهي حال المنافقين، وفي حديث عتبان بن مالك : أنّ قائلاً قال في مجلس رسول الله ( ﷺ ) ( أين مالك بن الدُّخْشُن )، فقال آخر :( ذلك منافق لا يحبّ الله ورسوله ) فقال النبي ( ﷺ ) ( لا تقل ذلك أما سمعتَه يقول لا إله إلاّ الله يبْتغي بذلك وجه الله ) فقال القائل :


الصفحة التالية
Icon