" صفحة رقم ٢١٨ "
( الله ورسوله أعلم فإنّا نرى وجهه ونصيحته إلى المنافقين ). فجعل هذا الرجل الانحياز إلى المنافقين علامة على النفاق لولا شهادة الرسول لمالك بالإيمان أي في قلبه مع إظهاره بشهادة لا إله إلاّ الله.
الحالة الثانية : الركون إلى طوائف الكفر ومظاهرتهم لأجل قرابة ومحبة دون الميل إلى دينهم، في وقت يكون فيه الكفّار متجاهرين بعداوة المسلمين، والاستهزاء بهم، وإذاهم كما كان معظم أحوال الكفّار، عند ظهور الإسلام مع عدم الانقطاع عن مودة المسلمين، وهذه حالة لا توجب كفر صاحبها، إلاّ أنّ ارتكبها إثم عظيم، لأنّ صاحبها يوشك أن يواليهم على مضرة الإسلام، على أنّه من الواجب إظهار الحميّة للإسلام، والغيرة عليه، كما قل العتابي :
تودّ عدوّي ثم تزعم أنّني
صديقك إنّ الرأي عنك لَعَازب
وفي مثلها نزل قوله تعالى :( يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتّخذوا دينكم هزؤاً ولعباً من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفّار أولياء ( ( المائدة : ٩ ) قال ابن عطية : كانت كفّار قريش من المستهزئين ) وفي مثل ذلك ورد قوله تعالى :( إنّما ينهاكم اللَّهعن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم ( ( الممتحنة : ٩ ) الآية وقوله تعالى :( يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالاً ( ( آل عمران : ١١٨ ) الآية نزلت في قوم كان، بينهم وبين اليهود، جوار وحلف في الجاهلية، فداوموا عليه في الإسلام فكانوا يأنسون بهم ويستنيمون إليهم، ومنهم أصحاب كعب بن الأشرف، وأبي رافع ابن أبي الحُقَيْق، وكانا يؤذيان رسول الله ( ﷺ )
الحالة الثالثة : كذلك، بدون أن يكون طوائف الكفّار متجاهرين ببغض المسلمين ولا بأذاهم، كما كان نصارى العرب عند ظهور الإسلام قال تعالى :( ولتجدن أقربهم مودة للذين ءامنوا، الذين قالوا إنّا نصارى ( ( المائدة : ٨٢ ) وكذلك كان حال الحبشة فإنّهم حموا المؤمنين، وآووهم، قال الفخر : وهذه واسطة، وهي لا توجب الكفر، إلاّ أنّه منهيّ عنه، إذ قد يجرّ إلى استحسان ما هم عليه وانطلاء مكائدهم على المسلمين.
الحالة الرابعة : موالاة طائفة من الكفّار لأجل الإضرار بطائفة معيّنة من المسلمين مثل الانتصار بالكفّار على جماعة من المسلمين، وهذه الحالة أحكامها متفاوتة، فقد قال


الصفحة التالية
Icon