" صفحة رقم ٢٨٦ "
وعُدّي ) تأمنه ( بالباء مع أنّ مثله يتعدّى بعلي كقوله :( هل آمنكم عليه ( ( يوسف : ٦٤ )، لتضمينه معنى تُعامله بقنطار ليشمل الأمانة بالوديعة، والأمانةَ بالمعاملة على الاستيمان، وقيل الباء فيه بمعنى على كقول أبي ذرّ أو عباسسٍ بن مِرداس :
أربٌّ يَبولُ الثعْلُبَان بِرَأسه
وهو محمل بعيد، لأنّ الباء في البيت للظرفية كقوله تعالى :( ببطن مكة ( ( الفتح : ٢٤ ).
وقرأ الجمهور ) يؤدّهِ ( إليك بكسر الهاء من يؤدّهِ على الأصل في الضمائر.
وقرأه أبو عمرو، وحمزة، وأبو بكر عن عاصم، وأبُو جعفر : بإسكان هاء الضمير في يؤدّه، فقال الزجاج : هذا الإسكان الذي روي عن هؤلاء غلط بيِّن لأنّ الهاء لا ينبغي أن تجزم وإذا لم تجزم فلا يجوز أن تكسر في الوصل ( هكذا نقله ابن عطية ومعناه أنّ جزم الجواب لا يظهر على هاء الضمير بل على آخر حرف من الفعل ولا يجوز تسكينها في الوصل كما في أكثر الآيات التي سكنوا فيها الهاء ). وقيل هو إجرَاء للوصل مُجرى الوقف وهو قليل، قال الزجاج : وأما أبو عمرو فأراه كان يختلس الكسر فغلط عليه من نقله وكلام الزجاج مردود لأنه راعى فيه المشهور من الاستعمال المقيس، واللغة أوسع من ذلك، والقراءة حجة. وقرأه هشام عن ابن عامر، ويعقوب باختلاس الكسر.
وحكى القرطبي عن الفرّاء : أنّ مذهب بعض العرب يجزمون الهاء إذا تحرّك ما قبلها يقولون ضربته كما يسكنون ميم أنتم وقمتم وأصله الرفع وهذا كما قال الراجز :
لَما رَأى ألاّ دَعَهْ ولاَ شِبَع
مَالَ إلى أرْطَاةِ حقف فاضطجع
والقِنطار تقدم آنفاً في قوله تعالى :( والقَناطير المقنطرة من الذهب والفضة ( ( آل عمران : ١٤ ).
والدينار اسم للمسكوك من الذهب الذي وزنه اثنتان وسبعون حبة من الشعير المتوسط وهو معرّب دِنَّار من الرومية.
وقد جعل القنطار والدينار مَثَلين للكثرة والقلة، والمقصود ما يفيده الفحوى من أداء الأمانة فيما هو دون القنطار، ووقوع الخيانة فيما هو فوق الدينار.


الصفحة التالية
Icon