" صفحة رقم ١٠٥ "
وهو اقتصار النبي ( ﷺ ) على الاعتناء بالحرص على تبليغ الدعوة إلى من يرجو منه قبولَها مع الذهول عن التأمل فيما يقارن ذلك من تعليم من يرغب في علم الدين ممن آمن، ولما كان صدور ذلك من الله لنبيه ( ﷺ ) لم يشأ الله أن يفاتحه بما يتبادر منه أنه المقصود بالكلام، فوجهه إليه على أسلوب الغيبة ليكون أول ما يقرع سمعه باعثاً على أن يترقب المعنيَّ من ضمير الغائب فلا يفاجئه العتاب، وهذا تلطف من الله برسوله ( ﷺ ) ليقع العتاب في نفسه مدرجاً وذلك أهون وقعاً، ونظير هذا قوله :( عفا اللَّه عنك لم أذنت لهم ( ( التوبة : ٤٣ ).
قال عياض : قال عون بن عبد الله والسمرقندي : أخبره الله بالعفو قبل أن يخبره بالذنب حتى سكن قلبه ا هـ. فكذلك توجيه العتاب إليه مسنداً إلى ضمير الغائب ثم جيء بضمائر الغيبة فذكر الأعمى تظهر المراد من القصة واتضح المراد من ضمير الغيبة.
ثم جيء بضمائر الخطاب على طريقة الالتفات.
ويظهر أن النبي ( ﷺ ) رجا من ذلك المجلس أن يُسلموا فيسلم بإسلامهم جمهور قريش أو جميعهم فكان دخول ابن أم مكتوم قطعاً لسلك الحديث وجعل يقول للنبيء ( ﷺ ) يا رسول الله استدنني، علمني، أرشدني، ويناديه ويكثر والإِلحاح فظهرت الكراهية في وجه الرسول ( ﷺ ) لعله لقطعه عليه كلامه وخشيته أن يفترق النفر المجتمعون، وفي رواية الطبري أنه استقرأ النبي ( ﷺ ) آية من القرآن.
وجملة ) وما يدريك ( الخ في موضع الحال.
( وما يدريك ) مركبة من ( ما ) الاستفهامية وفعل الدّراية المقترن بهمزة التعدية، أي ما يجعلك دارياً أي عالماً. ومثله :( ما أدراك ( كقوله :( وما أدراك ما الحاقة ( ( الحاقة : ٣ ). ومنه ) وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون في سورة الأنعام.
والاستفهام في هذه التراكيب مراد منه التنبيه على مغفول عنه ثم تقع بعده جملة نحو ما أدراك ما القارعة ( ( القارعة : ٣ ) ونحو قوله هنا :( وما يدريك لعله يزكى ).


الصفحة التالية
Icon