" صفحة رقم ١٠٦ "
والمعنى أيُّ شيء يجعلك دارياً. وإنما يستعمل مثله لقصد الإجمال ثم التفصيل.
قال الراغب : ما ذكر ما أدراك في القرآن إلا وذكر بيانه بعده ا هـ. قلت : فقد يُبينه تفصيلٌ مثل قوله هنا :( وما يدريك لعله يزكى ( وقوله :( وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر ( ( القدر : ٢ ٣ ) وقد يقع بعده ما فيه تهويل نحو :( وما أدراك ماهيه ( ( القارعة : ١٠ ) أي ما يعلمك حقيقتها وقوله :( وما أدراك ما الحاقة ( ( الحاقة : ٣ ) أي أيُّ شيء أعلمك جواب :( ما الحاقة ).
وفعل :( يدريك ( معلق عن العمل في مفعوليه لورود حرف ( لعلّ ) بعده فإن ( لعل ) من موجبات تعليق أفعال القلوب على ما أثبته أبو علي الفارسي في ( التذكرة ) إلحاقاً للترجي بالاستفهام في أنه طلب. فلما علق فعل ) يدريك ( عن العمل صار غير متعدَ إلى ثلاثة مفاعيل وبقي متعدياً إلى مفعول واحد بهمزة التعدية التي فيه فصار ما بعده جملة مستأنفة.
والتذكر : حصول أثر التذكير، فهو خطور أمر معلوم في الذهن بعد نسيانه إذ هو مشتق من الذُّكر بضم الذال.
والمعنى : انظر فقد يكون تزكِّيهِ مرجواً، أي إذا أقبلت عليه بالإِرشاد زاد الإِيمان رسوخاً في نفسه وفَعل خيرات كثيرة مما ترشده إليه فزاد تزكية، فالمراد ب ( يتزكى ) تزكية زائدة على تزكية الإِيمان بالتملّي بفضائل شرائعه ومكارم أخلاقه مما يفيضه هديك عليه، كما قال النبي ( ﷺ ) ( لو أنكم تكونون إذا خرجتم من عندي كما تكونون عندي لصافحتكم الملائكة ) إذ الهدى الذي يزداد به المؤمن رفعة وكمالاً في درجات الإِيمان هو كاهتداء الكافر إلى الإيمان لا سيما إذ الغاية من الاهتداءين واحدة.
و ) يزكّى ( أصله : يتزكى، قلبت التاء زاياً لتقارب مخرجيهما قصداً ليتأتى الإِدغام وكذلك فُعِل في ) يذّكر ( من الإِدغام.
والتزكّي : مطاوع زكَّاه، أي يحصل أثر التزكية في نفسه. وتقدم في سورة النازعات.


الصفحة التالية
Icon