" صفحة رقم ١١٠ "
إعماله يُبطل ما في غيره من صلاح أقوى لأن اجتهاد الرسول ( ﷺ ) في مواضع اجتهاده قائم مقام الوحي فيما لم يُوحَ إليه فيه.
فالتزكية الحق هي المِحْور الذي يدور عليه حال ابن أم مكتوم وحال المشرك من حيث إنها مرغوبة للأول ومزهود فيها من الثاني، وهي مرمى اجتهاد رسول الله ( ﷺ ) لتحصيلها للثاني والأمن على قرارها للأول بإقباله على الذي يتجافى عن دعوته، وإعراضه عن الذي يعلم من حاله أنه متزكَ بالإِيمان.
وفي حاليهما حالان آخران سرُّهما من أسرار الحكمة التي لقنها الله نبيئه ( ﷺ ) وهو يخفى في معتاد نظر النظار فأنبأه الله به ليزيل عنه ستار ظاهر حاليهما، فإن ظاهر حاليهما قاض بصرف الاهتمام إلى أحدهما وهو المشرك لدعوته إلى الإِيمان حين لاح من لِين نفْسه لسماع القرآن ما أطْمَعَ النبي ( ﷺ ) بأنه قد اقتربَ من الإِيمان فمحَّض توجيه كلامه إليه لأن هدي الناس إلى الإِيمان أعظم غرض بُعث النبي ( ﷺ ) لأجله، فالاشتغال به يَبْدُو أهمّ وأرجحَ من الاشتغال بمن هو مؤمن خالص، وذلك ما فعله النبي ( ﷺ )
غير أن وراء ذلك الظاهر حالاً آخر كامناً عَلِمه الله تعالى العالم بالخفيات ولم يوححِ لرسوله ( ﷺ ) التنقيب عليه وهو حال مؤمن هو مظنة الازدياد من الخير، وحال كافر مصمم على الكفر تؤذن سوابقه بعناده وأنه لا يفيد فيه البرهان شيئاً. وإن عميق التوسم في كلا الحالين قد يكشف للنبيء ( ﷺ ) بإعانة الله رجحانَ حال المؤمن المزداد من الرشد والهدي على حال الكافر الذي لا يغُر ما أظهره من اللين مصانعةً أو حياءً من المكابرة، فإن كان في إيمان الكافر نفع عظيم عام للأمة بزيادة عددها ونفع خاص لذاته. وفي ازدياد المؤمن من وسائل الخير وتزكية النفس نفع خاص له والرسول راع لآحاد الأمة ولمجموعها، فهو مخاطب بالحفاظ على مصالح المجموع ومصالح الآحاد بحيث لا يدحض مصالح الآحاد لأجل مصالح المجموع إلا إذا تعذر الجمع بين الصالح العام والصالح الخاص، بيد أن الكافر صاحبَ هذه القضية تنبىء دخيلتُه بضعف الرجاء في إيمانه لو أطيل التوسم في حاله، وبذلك تَعطل الانتفاعُ بها عموماً وخصوصاً وتمخض أن لتزكية المؤمن


الصفحة التالية
Icon