" صفحة رقم ١١١ "
صاحب القضية نفعاً لخاصة نفسه ولا يخلو من عَود تزكية بفائدة على الأمة بازدياد الكاملين من أفرادها.
وقد حصل من هذا إشعار من الله لرسوله ( ﷺ ) بأن الاهتداء صنوف عديدة وله مراتب سامية، وليس الاهتداء مقتصراً على حصول الإِيمان مراتبَ وميادينَ لسبق همم النفوس لا يُغفل عن تعهدها بالتثبيت والرعي والإِثمار، وذلك التعهد إعانة على تحصيل زيادة الإِيمان.
وتلك سرائر لا يعلم حقها وفروقها إلا الله تعالى. فعلى الرسول ( ﷺ ) وهو خليفة الله في خلقه أن يتوخاها بقدر المستطاع، فما أوحى الله إليه في شأنه اتبع ما يوحى إليه وما لم ينزل عليه وحي في شأنه فعليه أن يصرف اجتهاده كما أشار إليه قوله تعالى :( ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول ( ( محمد : ٣٠ ).
فكان ذلك موقع هذه الوصية المفرغة في قالب المعاتبة للتنبيه إلى الاكتراث بتتبع تلك المراتب وغرس الإِرشاد فيها على ما يرجى من طيب تُربتِهَا ليخرج منها نبات نافع للخاص وللعامة.
والحاصل أن الله تعالى أعلم رسوله ( ﷺ ) أن ذلك المشرك الذي محضه نصحَه لا يُرجى منه صلاح، وأن ذلك المؤمن الذي استبقى العناية به إلى وقت آخر يزداد صلاحاً تفيد المبادرةُ به، لأنه في حالة تلهفه على التلقّي من رسول الله ( ﷺ ) أشد استعداداً منه في حين آخر.
فهذه الحادثة منوال ينسج عليه الاجتهاد النبوي إذا لم يرد له الوحي ليعلم أن من وراء الظواهر خبايا، وأن القرائن قد تَستُر الحقائق.
وفي ما قررنا ما يعرف به أن مرجع هذه الآية وقضيتها إلى تصرف النبي ( ﷺ ) بالاجتهاد فيما لم يُوحَ إليه فيه، وأنه ما حاد عن رعاية أصول الاجتهاد قيد أنملة. وهي دليل لما تقرر في أصول الفقه من جواز الاجتهاد للنبيء ( ﷺ ) ووقوعه، وأنه جرى على قاعدة إعمال أرجح المصلحتين بحسب الظاهر، لأن السرائر موكولة إلى الله تعالى، وأن اجتهاده ( ﷺ ) لا يخطىء بحسب ما نصبه الله من الأدلة، ولكنه


الصفحة التالية
Icon