" صفحة رقم ١١٢ "
قد يخالف ما في علم الله، وأن الله لا يقر رسوله ( ﷺ ) على ما فيه مخالفة لما أراده الله في نفس الأمر.
ونظير هذه القضية قضية أسرى بدر التي حدثت بعد سنين من نزول هذه الآية والموقف فيهما متماثل.
وفي قوله تعالى :( وما يدريك لعله يزكى ( ( عبس : ٣ ) إيماء إلى عذر النبي ( ﷺ ) في تأخيره إرشاد ابن أم مكتوم لما علمت من أنه يستعمل في التنبيه على أمر مغفول عنه، والمعنى : لعله يزّكى تزكية عظيمة كانت نفسه متهيئة لها ساعتئذ إذ جاء مسترشداً حريصاً، وهذه حالة خفية.
وكذلك عذره في الحرص على إرشاد المشرك بقوله :( وما عليك ألا يزكى ( ( عبس : ٧ ) إذ كان النبي ( ﷺ ) يخشى تبعة من فوات إيمان المشرك بسبب قطع المحاورة معه والإِقبال على استجابة المؤمن المسترشد.
فإن قال قائل : فلماذا لم يُعلِم الله رسوله ( ﷺ ) من وقت حضور ابن أم مكتوم بما تضمنه هذا التعليم الذي ذكرتم.
قلنا : لأن العلم الذي يحصل عن تبيُّن غفلة، أو إشعارٍ بخفاء يكون أرسخ في النفس من العلم المسوق عن غير تعطش ولأن وقوع ذلك بعد حصول سببه أشهر بين المسلمين وليحصل للنبيء ( ﷺ ) مزية كِلا المقامين : مقام الاجتهاد، ومقام الإِفادة.
وحكمة ذلك كله أن يُعلم الله رسوله ( ﷺ ) بهذا المهيع من عليِّ الاجتهاد لتكون نفسه غير غافلة عن مثله وليتأسى به علماء أمته وحكامها وولاة أمورها.
ونظير هذا ما ضَربه الله لموسى عليه السلام من المثَل في ملاقاة الخضر، وما جرى من المحاورة بينهما، وقول الخضر لموسى :( وكيف تصبر على ما لم تحط به خبراً ( ( الكهف : ٦٨ ) ثم قوله له :( ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبراً ( ( الكهف : ٨٢ ). وقد سبق مثله في الشرائع السابقة كقوله في قصة نوح :( يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح ( ( هود : ٤٦ ) وقوله لإبراهيم :( لا ينال عهدي الظالمين ( ( البقرة : ١٢٤ ).
هذا ما لاح لي في تفسير هذه الآيات تأصيلاً وتفصيلاً، وهو بناء على أساس


الصفحة التالية
Icon