" صفحة رقم ١٥٧ "
والأمين : الذي يحفظ ما عُهد له به حتى يؤدّيه دون نقص ولا تغيير، وهو فعيل إما بمعنى مفعول، أي مأمون من أمنه على كذا. وعلى هذا يقال : امرأة أمين، ولا يقال : أمينة، وإما صِفة مشبهة من أمُن بضم الميم إذا صارت الأمانة سجيته، وعلى هذا الوجه يقال : امرأة أمينة، ومنه قول الفقهاء في المرأة المشتكية أضرار زوجها : يجعلان عند أمينة وأمين.
عطف على جملة :( إنه لقول رسول كريم ( ( التكوير : ١٩ ) فهو داخل في خبر القَسَم جواباً ثانياً عن القَسَم، والمعنى : وما هو ( أي القرآن ) بقول مجنون كما تزعمون، فبعد أن أثنى الله على القرآن بأنه قول رسول مُرسَللٍ من الله وكان قد تضمن ذلك ثناءً على النبي ( ﷺ ) بأنه صادق فيما بلغه عَن الله تعالى، أعقبه بإبطال بهتان المشركين فيما اختلقوه عن النبي ( ﷺ ) من قولهم :( معلّم مجنون ( ( الدخان : ١٤ ) وقولهم :( افترى على اللَّه كذباً أم به جنة ( ( سبأ : ٨ )، فأبطل قولهم إبطالاً مؤكداً ومؤيداً، فتأكيده بالقَسم وبزيادة الباء بعد النفي، وتأييده بما أومأ إليه وصفه بأن الذي بلّغه صاحِبُهم، فإن وصف صاحب كناية عن كونهم يعلمون خُلقه وعقلَه ويعلمون أنه ليس بمجنون، إذ شأن الصاحب أن لا تَخفى دقائقُ أحواله على أصحابه.
والمعنى : نفي أن يكون القرآن من وساوس المجانين، فسلامة مُبَلِّغِه من الجنون تقتضي سلامة قوله عن أن يكون وَسْوَسَة.
ويجري على ما تقدم من القول بأن المراد ب ) رسول كريم ( ( التكوير : ١٩ ) النبي محمد ( ﷺ ) أن يكون قوله :( صاحبكم ( هنا إظهاراً في مقام الإِضمار للتعريض بأنه معروف عندهم بصحة العقل وأصالة الرأي.
والصاحب حقيقته : ذو الصحبة، وهي الملازمة في أحوال التجمع والانفراد للمؤانسة والموافقة، ومنه قيل للزوج : صاحبةٌ وللمسافر مع غيره صاحبٌ، قال امرؤ القيس :
بَكَى صاحبي لَمَّا رأي الدَّرْبَ دونَه


الصفحة التالية
Icon