" صفحة رقم ١٥٨ "
وقال تعالى حكاية عن يوسف :( يا صاحبي السجن ( ( يوسف : ٣٩ )، وقال الحريري في ( المقامة الحادية والعشرين ) :( ولا لَكم مني إلا صُحْبَة السفينة ).
وقد يتوسعون في إطلاقه على المخالِط في أحوال كثيرة ولو في الشر، كقول الحجاج يخاطب الخوارج :( ألسْتُم أصحابي بالأهواز حينَ رمتم الغدر، واستبطنتم الكفر ). وقول الفضل اللّهبِي :
كلّ له نيَّة في بُغْضضِ صاحبه
بنعمةِ اللَّه نَقْلِيكم وتَقْلُونا
والمعنى : أن الذي تخاصمونه وتكذبونه وتصفونه بالجنون ليس بمجنون وأنكم مخالطوه وملازموه وتعلمون حقيقته فما قولكم عليه :( إنه مجنون ) إلا لقصد البهتان وإساءة السمعة.
فهذا موقع هذه الجملة مع ما قبلها وما بعدها، والقصد من ذلك إثبات صدق محمد ( ﷺ ) ولا يخطر بالبال أنها مسوقة في معرض الموازنة والمفاضلة بين جبريل ومحمد عليهما السلام والشهادة لهما بمزاياهما حتى يشم من وفرة الصفات المجراة على جبريل أنه أفضل من محمد ( ﷺ )
ولا أن المبالغة في أوصاف جبريل مع الاقتصاد في أوصاف محمد ( ﷺ ) تؤذن بتفضيل أولهما على الثاني.
ومن أسمج الكلام وأضعف الاستدلال قول صاحب ( الكشاف ) :( وناهيك بهذا دليلاً على جلالة مكانة جبريل عليه السلام ومباينة منزلته لمنزلة أفضل الإنس محمد ( ﷺ ) إذا وازنت بين الذِّكْرين وقايست بين قوله :( إنه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين ( ( التكوير : ١٩، ٢٠ )، وبين قوله :( وما صاحبكم بمجنون ( اه.
وكيف انصرف نظرُه عن سياق الآية في الرد على أقوال المشركين في النبي ( ﷺ ) ولم يقولوا في جبريل شيئاً لأن الزمخشري رام أن ينتزع من الآية دليلاً لمذهب أصحاب الاعتزال من تفضيل الملائكة على الأنبياء، وهي مسألة لها مجال آخر، على أنك قد علمتَ أن الصفات التي أجريت على ) رسول في قوله تعالى : إنه لقول رسول كريم إلى قوله : أمين ( ( التكوير : ١٩ ٢١ )، غيرُ متعين انصرافُها إلى جبريل


الصفحة التالية
Icon