" صفحة رقم ١٦٢ "
النبي ( ﷺ ) اعتمد كتاب المصاحف على إحداهما وهي التي قرأ بها جمهور الصحابة وخاصة عثمان بن عفان، وأوكلوا القراءة الأخرى إلى حفظ القارئين.
وإذ تواترت قراءة ) بضنين ( بالضاد الساقطة، و ) بظنين بالظاء المشالة علمنا أن الله أنزله بالوجهين وأنه أراد كلا المعنيين.
فأما معنى ضنين بالضاد الساقطة فهو البخيل الذي لا يعطي ما عنده مشتقّ من الضَنّ بالضاد مصدر ضَنَّ، إذا بخل، ومضارعه بالفتح والكسر.
فيجوز أن يكون على معناه الحقيقي، أي وما صاحبكم ببخيل أي بما يوحَى إليه وما يخبر به عن الأمور الغيبية طلباً للانتفاع بما يخبر به بحيث لا ينبئكم عنه إلا بِعِوَض تُعطونه، وذلك كناية عن نفي أن يكون كاهناً أو عرَّافاً يتلقّى الأخبار عن الجننِ إذ كان المشركون يترددون على الكهان ويزعمون أنهم يخبرون بالمغيبات، قال تعالى : وما هو بقول شاعر قليلاً ما تؤمنون ولا بقول كاهن قليلاً ما تذكرون ( ( الحاقة : ٤١ ٤٢ ) فأقام لهم الفرق بين حال الكهان وحال النبي ( ﷺ ) بالإِشارة إلى أن النبي لا يسألهم عوضاً عما يخبرهم به وأن الكاهن يأخذ على ما يخبر به ما يسمونه حُلْواناً، فيكون هذا المعنى من قبيل قوله تعالى :( قل ما أسألكم عليه من أجر ( ( الفرقان : ٥٧ ) ) قل لا أسألكم عليه أجراً ( ( الأنعام : ٩٠ ) ونحو ذلك.
ويجوز أن يكون ( ضنين ) مجازاً مرسلاً في الكِتمان بعلاقة اللزوم لأن الكتمان بخل بالأمر المعلوم للكاتم، أي ما هو بكاتم الغيب، أي ما يوحى إليه، وذلك أنهم كانوا يقولون :( ايتتِ بقرآن غيرِ هذا أو بَدِّلْه ( ( يونس : ١٥ ) وقالوا :( ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتاباً نقرؤه ( ( الإسراء : ٩٣ ).
ويتعلق ) على الغيب ( بقوله :( بضنين ).
وحرف ( على ) على هذا الوجه بمعنى الباء مثل قوله تعالى :( حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق ( ( الأعراف : ١٠٥ ) أي حقيق بي، أو لتضمين ( ضنين ) معنى حريص، والحرص : شدة البخل وما محمد بكاتم شيئاً من الغيب فما أخبركم به فهو عين ما أوحيناه إليه. وقد يكون البخيل على هذه كناية عن كاتم وهو كناية بمرتبة أخرى


الصفحة التالية
Icon