" صفحة رقم ١٧ "
الابتداء بخلق الأرض في الاستدلال فهي أن من الأرض يخرج الناس للبعث فكذلك ثني باستدلال بخلق الناس الأول لأنهم الذين سيعاد خلقهم يوم البعث وهم الذين يخرجون من الأرض، وفي هذا المعنى جاء قوله تعالى :( ويقول الإنسان أإذا ما متّ لسوف أخرج حياً أو لا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئاً ( ( مريم : ٦٦، ٦٧ ).
وانتصب ) أزواجاً ( على الحال من ضمير الخطاب في ) خلقناكم ( لأن المقصود الاستدلال بخلق الناس وبكون الناس أزواجاً، فلما كان المناسب لفعل خلقنا أن يتعدى إلى الذوات جيء بمفعوله ضميرَ ذوات الناس، ولما كان المناسب لكونهم أزواجاً أن يساق مساق إيجاد الأحوال جيء به حالاً من ضمير الخطاب في ) خلقناكم (، ولو صرح له بفعل لقيل : وخلقناكم وجَعلناكم أزواجاً، على نحو ما تقدم في قوله :( ألم نجعل الأرض مهاداً ( ( النبأ : ٦ ) وما يأتي من قوله :( وجعلنا نومكم سباتاً ( ( النبأ : ٩ ).
والأزواج : جمع زوج وهو اسم للعدد الذي يُكرر الواحد تكريرةً واحدة وقد وصف به كما يوصف بأسماء العدد في نحو قول لبيد :
حتى إذا سَلَخَا جُمَادَى سِتَّةً
ثم غلب الزواج على كل من الذكر وأنثاه من الإنسان والحيوان، فقوله :( أزواجاً ( أفاد أن يكون الذكر زوجاً للأنثى والعكس، فالذكر زوج لأنثاه والأنثى زوج لذَكرها، وتقدم ذلك عند قوله تعالى :( وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة في سورة البقرة.
وفي قوله : وخلقناكم أزواجاً ( إيماء إلى ما في ذلك الخلققِ من حكمة إيجاد قوة التناسل من اقتران الذكر بالأنثى وهو مناط الإيماء إلى الاستدلال على إمكان إعادة الأجساد فإن القادر على إيجاد هذا التكوين العجيب ابتداء بقوة التناسل قادر على إيجاد مثله بمثل تلك الدقة أو أدق.
وفيه استدلال على عظيم قدرة الله وحكمته، وامتنان على الناس بأنه خلقهم، وأنه خلقهم بحالة تجعل لكل واحد من الصنفين ما يصلح لأن يكون له زوجاً


الصفحة التالية
Icon