" صفحة رقم ١٨ "
ليحصل التعاون والتشارك في الأنس والتنعم، قال تعالى :( وجعل منها زوجها ليسكن إليها ( ( الأعراف : ١٨٩ ) ولذلك صيغ هذا التقرير بتعليق فعل ( خلقنا ) بضمير الناس وجُعل ) أزواجاً ( حالاً منه ليحصل بذلك الاعتبار بكلا الأمرين دون أن يقال : وخلقنا لَكُم أزواجاً.
وفي ذلك حمل لهم على الشكر بالإِقبال على النظر فيما بُلِّغ إليهم عن الله الذي أسعفهم بهذه النعم على لسان رسول الله ( ﷺ ) وتعريض بأن إعراضهم عن قبول الدعوة الإسلامية ومكابرتهم فيما بلغهم من ذلك كفران لنعمة واهب النعم.
انتقل من الاستدلال بخلق الناس إلى الاستدلال بأحوالهم وخص منها الحالة التي هي أقوَى أحوالهم المعروفة شبهاً بالموت الذي يعقبه البعث وهي حالة متكررة لا يَخلُونَ من الشعور بما فيها من العبرة لأن تدبير نظام النوم وما يطرأ عليه من اليقظة أشبه حاللٍ بحال الموت وما يعقبه من البعث.
وأوثر فعل ) جعلنا ( لأن النوم كيفية يناسبها فعل الجعل لا فعلُ الخلق المناسبُ للذوات كما تقدم في قوله :( ألم نجعل الأرض مهاداً ( ( النبأ : ٦ ) وكذلك قوله :( وجعلنا الليل لباساً وجعلنا النهار معاشاً ( ( النبأ : ١٠، ١١ ).
فإضافة نوم إلى ضمير المخاطبين ليست للتقييد لإخراج نوم غير الإنسان فإن نوم الحيوان كلِّه سبات، ولكن الإضافة لزيادة التنبيه للاستدلال، أي أن دليل البعث قائم بَيِّن في النوم الذي هو من أحوالكم، وأيضاً لأن في وصفه بسُبات امتناناً، والامتنان خاص بهم قال تعالى :( هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه ( ( يونس : ٦٧ ).
والسُّبَات : بضم السين وتخفيف الباء اسم مصدر بمعنى السَبْتتِ، أي القطع، أي جعلناه لكم قطعاً لعمل الجسد بحيث لا بد للبدن منه، وإلى هذا أشار ابن الأعرابي وابن قتيبة إذ جعلا المعنى : وجعلنا نومكن راحة، فهو تفسير معنى.