" صفحة رقم ٢٦٧ "
والفصل مصدر بمعنى التفرقة، والمراد أنه يفصل بين الحق والباطل، أي يبين الحق ويبطل الباطل، والإِخبار بالمصدر للمبالغة، أي إنه لقول فاصل.
وعطف ) وما هو بالهزل ( بعد الثناء على القرآن بأنه ( قول فصل ) يتعين على المفسر أن يتبين وجه هذا العطف ومناسبته، والذي أراه في ذلك أنه أعقب به الثناء على القرآن رداً على المشركين إذ كانوا يزعمون أن النبي ( ﷺ ) جاء يهزل إذ يخبر بأن الموتى سيحْيَوْن، يريدون تضليل عامتهم حين يسمعون قوارع القرآن وإرشاده وجزالة معانيه يختلقون لهم تلك المعاذير ليصرفوهم عن أن يتدبروا القرآن وهو ما حكاه الله عنهم في قوله :( وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه ( ( فصلت : ٢٦ ) فالهزل على هذا الوجه هو ضدّ الجدّ أعني المزح واللعب، ومثل هذه الصفة إذا وردت في الكلام البليغ لا محمل لها إلا إرادة التعريض وإلا كانت تقصيراً في المدح لا سيما إذا سبقتها محمدة من المحامد العظيمة.
ويجوز أن يطلق الهزل على الهذيان قال تعالى :( وما هو بالهزل ( أي بالهذيان.
( ١٥ ١٦ )
استئناف بياني ينبىء عن سؤال سائل يَعْجَب من إعراضهم عن القرآن مع أنه قول فصل ويعْجَب من معاذيرهم الباطلة مثل قولهم : هو هزل أو هذيان أو سحر، فبُين للسامع أن عملهم ذلك كيد مقصود. فهم يتظاهرون بأنهم ما يصرفهم عن التصديق بالقرآن إلا ما تحققوه من عدم صدقه، وهم إنما يصرفهم عن الإِيمان به الحفاظ على سيادتهم فيضللون عامتهم بتلك التعلات الملفقة.
والتأكيد ب ( إنَّ ) لتحقيق هذا الخبر لغرابته، وعليه فقوله :( وأكيد كيداً ( تتميم وإدماج وإنذار لهم حين يسمعونه.
ويجوز أن يكون قوله :( إنهم يكيدون كيداً ( موجهاً إلى رسول الله ( ﷺ ) تسلية له على أقوالهم في القرآن الراجعة إلى تكذيب من جاء بالقرآن. أي إنما يدَّعون أنه هزل لقصد الكيد وليس لأنهم يحسبونك كاذباً على نحو قوله تعالى :( فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات اللَّه يجحدون ( ( الأنعام : ٣٣ ).


الصفحة التالية
Icon