" صفحة رقم ٢٨٣ "
ويوجَّه العدول عن مقتضى ظاهر النظم إلى ما جاء النظم عليه، بأنَّ فيه تنزيلَ الشيء الميسّر منزلة الشيء الميسَّر له والعكسَ للمبالغة في ثبوت الفعل للمفعول على طريقة القلب المقبوللِ كقول العرب :( عَرضْتُ الناقةَ على الحوض )، وقول العجاج :
وَمهْمَهٍ مُغْبَرّةٍ أرجاؤُه
كأن لونَ أرضِه سماؤُه
وقد ورد القلب في آيات من القرآن ومنها قوله تعالى :( ما إنَّ مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة ( ( القصص : ٧٦ ) ومنه القلب التشبيه المقلوب.
والمعنى : وعْد الله إياه بأنه يسره لتلقي أعباء الرسالة فلا تشق عليه ولا تحرجه تطميناً له إذ كان في أول أمر إرساله مشفقاً أن لا يفي بواجباتها. أي أن الله جعله قابلاً لتلقّي الكمالات وعظائم تدبير الأمة التي من شأنها أن تشق على القائمين بأمثالها.
ومن آثار هذا التيسير ما ورد في الحديث :( أن رسول الله ( ﷺ ) ما خُيّر بين أمرين إلا اختار أيْسرهما )، وقوله ( ﷺ ) لأصحابه :( إنما بعثتم مُيَسِّرين لا مُعسِّرين ).
( ٩ ١٣ )
بعد أن ثبَّت الله رسوله ( ﷺ ) تكفل له ما أزال فَرَقه من أعباء الرسالة وما اطمأنت به نفسه من دفع ما خافه من ضُعف عن أدائه الرسالةَ على وجهها وتكفل له دفع نسيان ما يوحى إليه إلا ما كان إنساؤه مراداً لله تعالى. ووعده بأنه وفقه وهيأه لذلك ويسره عليه، إذ كان الرسول ( ﷺ ) وهو في مبدأ عهده بالرسالة ( إذ كانت هذه السورة ثامنة السور ) لا يعلم ما سيتعهد الله به فيخشى أن يقصر عن مراد الله فيلحقه غضب منه أو ملام. أعقب ذلك بأنْ أمَرَه بالتذكير، أي التبليغ، أي بالاستمرار عليه، إرهافاً لعزمه، وشحذاً لنشاطه ليكون إقباله على