" صفحة رقم ٣٠٣ "
والمبثوثة : المنتشرة على الأرض بكثرة وذلك يفيد كناية عن الكثرة.
وقد قوبلت صفات وجوه أهل النار بصفات وجوه أهل الجنة فقوبلت صفات ) خاشعة ( ( الغاشية : ٢ )، ) عاملة (، ) ناصبة ( ( الغاشية : ٣ ) بصفات ) ناعمة لسعيها راضية ( ( الغاشية : ٨، ٩ )، وقوبل قوله :( تصلى ناراً حامية ( ( الغاشية : ٤ ) بقوله : في ) جنة عالية ( ( الغاشية : ١٠ ). وقوبل :( تسقى من عين آنية ( ( الغاشية : ٥ ) بقوله :( فيها عين جارية ( ( الغاشية : ١٢ )، وقوبل شقاء عيش أهل النار الذي أفاده قوله :( ليس لهم طعام إلا من ضريع لا يسمن ولا يغني من جوع ( ( الغاشية : ٦، ٧ )، بمقاعد أهل الجنة المشعرةِ بترف العيش من شراب ومتاع.
وهذا وعد للمؤمنين بأن لهم في الجنة ما يعرفون من النعيم في الدنيا وقد علموا أن ترف الجنة لا يبلغه الوصف بالكلام وجمع ذلك بوجه الإِجمال في قوله تعالى :( وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذّ الأعين ( ( الزخرف : ٧١ )، ولكن الأرواح ترتاح بمألوفاتها فتعطاها فيكون نعيم أرواح الناس في كل عصر ومن كل مصر في الدرجة القصوى مما ألفوه ولا سيما ما هو مألوف لجميع أهل الحضارة والترف وكانوا يتمنونه في الدنيا ثم يُزادون من النعيم ( ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ).
( ١٧ ٢٠ )
لما تقدم التذكير بيوم القيامة ووصف حال أهل الشقاء بما وصفوا به، وكان قد تقرر فيما نزل من القرآن أن أهل الشقاء هم أهل الإشراك بالله، فُرع على ذلك إنكارٌ عليهم إعراضَهم عن النظر في دلائل الوحدانية، فالفاء في قوله :( أفلا ينظرون ( تفريع التعليل على المعلل لأن فظاعة ذلك الوعيد تجعل المقام مقام استدلال على أنهم محقوقون بوجوب النظر في دلائل الوحدانية التي هي أصل الاهتداء إلى تصديق ما أخبرهم به القرآن من البعث والجزاء، وإلى الاهتداء إلى أن منشىء النشأة الأولى عن عدم بما فيها من عظيم الموجودات كالجبال والسماء، لا يُستبعد في جانب قدرته إعادة إنشاء الإِنسان بعد فنائه عن عدم، وهو دون