" صفحة رقم ٣٢٨ "
الظاهر على المعتاد، ومنه ما فيه سمة خرق العادة. فربما أتت الرزايا من وجوه الفوائد، والموفق يتيقظ لِلأمَاراتتِ قال تعالى :( فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون ( ( الأنعام : ٤٤ ) وقال :( وما أرسلنا في قرية من نبيء إلا أخذنا أهلها بالبأساء والضراء لعلهم يضرعون ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة حتى عفوا وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء فأخذناهم بغتة وهم لا يشعرون ( ( الأعراف : ٩٤، ٩٥ ) وقال :( أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون ( ( التوبة : ١٢٦ ).
وتصرفات الله متشابهة بعضها يدل على مراده من الناس وبعضها جار على ما قدَّره من نظام العالم وكلٌّ قد قضاه وقدَّره وسبق علمه به ورَبَط مسبباتِه بأسبابه مباشرةً أو بواسطة أو وسائط والمتبصر يأخذ بالحيطة لنفسه وقومِه ولا يقول على الله ما يمليه عليه وهَمه ولم تنهَضْ دلائله، ويُفوِّض ما أشكل عليه إلى علم الله. وليس مثلُ هذا المحكيّ عنهم من شأن المسلمين المهتدين بهدي النبي ( ﷺ ) والمتبصرين في مجاري التصرفات الربانية. وقد نجد في بعض العوامّ ومن يشبههم من الغافلين بقايا مت اعتقاد أهل الجاهلية لإِيجاد التخيلات التي تمليها على عقولهم فالواجب عليهم أن يتعظوا بموعظة الله في هذه الآية.
لا جرم أن الله قد يعجل جزاء الخير لبعض الصالحين من عباده كما قال :( من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنُحْيِينَّه حياة طيبة ( ( النحل : ٩٧ ). وقد يعجّل العقاب لمن يغضب عليه من عباده. وقد حكَى عن نوح قولَه لقومه :( فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً يرسل السماء عليكم مدراراً ويمددكم بأموال وبنين ( ( نوح : ١٠ ١٢ ) وقال تعالى :( وأَلَّو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقاً ( ( الجن : ١٦ ). ولهذه المعاملة علامات أظهرها أن تجري على خلاف المألوف كما نرى في نصر النبي ( ﷺ ) والخلفاءِ على الأمم العظيمة القاهرة. وتلك مواعيد من الله يحققها أو وعيد منه يحيق بمستحقيه.
وحرف ( أمَا ) يفيد تفصيلاً في الغالب، أي يدل على تقابل بين شيئين من ذواتتٍ وأحوال. ولذلك قد تكرر في الكلام، فليس التفصيلُ المستفاد منها بمعنى تبييننِ مجمللٍ قبلَها، بل هو تفصيل وتقابُل وتوازن، وهو ضرب من ضروب


الصفحة التالية
Icon