" صفحة رقم ٣٢٩ "
التفصيل الذي تأتي له ( أمَّا )، فارتباط التفصيل بالكلام السابق مستفاد من الفاء الداخلة على ( أما )، وإنما تعلقه بما قبله تعلَّقُ المفرع بمنشئه لا تفصيل بيان على مجمل.
فالمفصل هنا أحوال الإِنسان الجاهِل فُصّلت إلى حاله في الخفض والدعة وحاله في الضنك والشدة فالتوازن بين الحالين المعبَّر عنهما بالظرفين في قوله :( إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ( الخ وفي قوله :( وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه ( الخ. وهذا التفصيل ليس من قبيل تبيين المُجمل ولكنه تمييز وفصْل بين شيئين أو أشياء تشتبه أو تختلط.
وقد تقدم ذكر ( أمّا ) عند قوله تعالى :( فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم الآية في سورة البقرة.
والابتلاء : الاختبار ويكون بالخير وبالضرّ لأن في كليهما اختباراً لثبات النفس وخُلق الأناة والصبر قال تعالى : ونبلوكم بالشر والخير فتنة ( ( الأنبياء : ٣٥ ) وبذكر الابتلاء ظهر أن إكرام الله إياه إكرام ابتلاء فيقع على حالين، حال مرضية وحال غير مرضية وكذلك تقتير الرزق تقتير ابتلاء يقتضي حالين أيضاً. قال تعالى :( ليبلوني أأشكر أم أكفر ( ( النمل : ٤٠ ) وقال :( ونبلوكم بالشر والخير فتنة ( ( الأنبياء : ٣٥ ) والأشهر أنه الإِختبار بالضر وقد استعمل في هذه الآية في المعنيين.
والمعنى : إذا جَعَلَ ربُّه ما يناله من النعمة أو من التقتير مظهراً لحاله في الشكر والكفر، وفي الصبر والجزع، توهَّم أن الله أكرمه بذلك أو أهانه بهذا.
والإِكرام : قال الراغب : أن يُوصَل إلى الإِنسان كرامة، وهي نفع لا تلحق فيه غضاضة ولا مذلة، وأن يُجعل ما يوصل إليه شيئاً كريماً، أي شريفاً قال تعالى :( بل عباد مكرمون ( ( الأنبياء : ٢٦ )، أي جعلهم كراماً اه يريد أن الإِكرام يطلق على إعطاء المكرمة ويطلق على جعل الشيء كريماً في صنفه فيصدق قوله تعالى :( فأكرمه ( بأن يصيب الإِنسان ما هو نفع لا غضاضة فيه، أو بأن جُعل كريماً سيداً شريفاً. وقوله :( فأكرمه ( من المعنى الأول للإِكرام وقوله :( فيقول ربي أكرمني ( من المعنى الثاني له في كلام الراغب واعلم أن قوله :( ونعمه ( صريح في أن الله ينعم على الكافرين إيقاظاً لهم ومعاملة بالرحمة، والذي عليه المحققون من


الصفحة التالية
Icon