" صفحة رقم ٣٣٠ "
المتكلمين أن الكافر مُنعَم عليه في الدنيا، وهو قول الماتريدي والباقِلاني. وهذا مما اختلف فيه الأشعري والماتريدي والخُلف لفظي.
ومعنى ) نعّمه ( جعله في نعمة، أي في طيب عيش.
ومعنى :( فقدر عليه رزقه ( أعطاه بقَدْر محدود، ومنه التقتير بالتاء الفوقية عوضاً عن الدال، وكلّ ذلك كناية عن القلة ويقابله بسط الرزق قال تعالى :( ولو بسط اللَّه الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء ( ( الشورى : ٢٧ ).
والهاء في ) رزقه ( يجوز أن تعود إلى ) الإنسان ( من إضافة المصدر إلى المفعول، ويجوز أن تعود إلى ) ربه ( من إضافة المصدر إلى فاعله.
والإِهانة : المعاملة بالهون وهو الذل.
وإسناد ) فأكرمه ونعمه... فقدر عليه رزقه ( إلى الرب تعالى لأن الكرامة والنعمة انساقت للإِنسان أو انساق له قَدَر الرزق بأسباب من جعل الله وسننه في هذه الحياة الدنيا بما يصادف بعضُ الحوادث بعضاً، وأسباب المقارنة بين حصول هذه المعاني وبين من تقع به من الناس في فُرصها ومناسباتها.
والقول مستعمل في حقيقته وهو التكلم، وإنما يتكلم الانسان عن اعتقاد. فالمعنى : فيقول ربي أكرمني، معتقداً ذلك، ويقول : ربيَ أهانني، معتقداً ذلك لأنهم لا يخلون عن أن يفتخروا بالنعمة، أو يتذمروا من الضيق والحاجة، ونظير استعمال القول هذا الاستعمال ما وقع في قوله تعالى :( ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل ( ( آل عمران : ٧٥ )، أي اعتقدوا ذلك فقالوه واعتذروا به لأنفسهم بين أهل ملتهم.
وتقديم ) ربي ( على فعل ) أكرمني ( وفعللِ ) أهانني (، دون أن يقول : أكرمني ربي أو أهانني ربي، لقصد تقوّي الحكم، أي يقول ذلك جازماً به غير متردد.
وجملتا :( فيقول ( في الموضعين جوابان ل ( إمَّا ) الأولى والثانية، أي يطرد قول الإِنسان هذه المقالة كلَّما حصلتْ له نعمة وكلما حصل له تقتير رزق.


الصفحة التالية
Icon