" صفحة رقم ٣٤٩ "
وتكرير لفظ ) بهذا البلد ( إظهار في مقام الإِضمار لقصد تجديد التعجيب. ولقصد تأكيد فتح ذلك البلد العزيز عليه والشديد على المشركين أن يَخْرُج عن حوزتهم.
و ) والد ( وقع منكراً فهو تنكيرَ تعظيم إذ لا يحتمل غير ذلك في سياق القسم. فتعين أن يكون المرادَ والداً عظيماً، والراجح عمل والد على المعنى الحقيقي بقرينة قوله ) وما ولد ).
والذي يناسب القسم بهذا البلد أن يكون المراد ب ) والد ( إبراهيمَ عليه السلام فإنه الذي اتخذ ذلك البلد لإقامة ولده إسماعيل وزوجه هاجَر قال تعالى :( وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمناً واجنبني وبني أن نعبد الأصنام ( ( إبراهيم : ٣٥ ) ثم قال :( ربنا أني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ( ( إبراهيم : ٣٧ ). وإبراهيم والد سُكان ذلك البلد الأصليين قال تعالى :( ملة أبيكم إبراهيم ( ( الحج : ٧٨ )، ولأنه والد محمد ( ﷺ )
و ) ما وَلد ( موصول وصلة والضمير المستتر في ) ولد ( عائد إلى ) والد ). والمقصود : وما ولده إبراهيم من الأبناء والذرية. وذلك مخصوص بالذين اقتفوا هديه فيشمل محمداً ( ﷺ )
وفي هذا تعريض بالتنبيه للمشركين من ذرية إبراهيم بأنهم حادُوا عن طريقة أبيهم من التوحيد والصلاح والدعوة إلى الحق وعِمارَةِ المسجد الحرام قال تعالى :( إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا ( ( آل عمران : ٦٨ ).
وجيء باسم الموصول ) مَا ( في قوله :( وما ولد ( دون ( مَن ) مع أن ( مَن ) أكثرُ استعمالاً في إرادة العاقل وهو مراد هنا، فعُدل عن ( مَن ) لأن ) ما ( أشدُّ إبهاماً، فأريد تفخيم أصحاب هذه الصلة فجيء لهم بالموصول الشديد الإِبهام لإرادة التفخيم، ونظيره قوله تعالى :( واللَّه أعلم بما وضعت ( ( آل عمران : ٣٦ ) يعني مولوداً عجيبَ الشأن. ويوضِّح هذا أن ) ما ( تستعمل نَكرة تامة باتفاق، و ( مَن ) لا تستعمل نكرة تامة إلا عند الفارسي.


الصفحة التالية
Icon