" صفحة رقم ٣٨٠ "
اختلَف علماء أصول الدين في عدّ صفات الأفعال من الصفات فهي موصوفة بالقدم عند الماتريدي، أو جَعْلِها من تعلق صفة القدرة فهي حادثة عند الأشعري، وهو آيل إلى الخلاف اللفظي.
وقد كان القسم في سورة الشمس بتسوية النفس، أي خلق العقل والمعرفة في الإِنسان، وأما القَسَم هنا فبِخلق جسد الإِنسان واختلاف صنفيه، وجملة :( إن سعيكم لشتى ( جوابُ القسم. والمقصود من التأكيد بالقسم قولُه :( وما يغني عنه مالُهُ إذا تردى ( ( الليل : ١١ ).
والسَّعي حقيقته : المشي القوي الحثيث، وهو مستعار هنا للعمل والكدّ.
وشتّى : جمع شتيت على وزن فَعْلَى مثل قَتِيل وقَتْلى، مشتق من الشتِّ وهو التفرق الشديد يقال : شتَّ جمعُهم، إذا تفرقوا، وأريد به هنا التنوع والاختلاف في الأحوال كما في قول تأبط شرّاً :
قليل التشكي للملم يصيبه
كثير الهوى شَتَّى النَّوى والمسالك
وهو استعارة أو كناية عن الأعمال المتخالفة لأن التفرق يلزمه الاختلاف.
والخطاب في قوله :( إن سعيكم ( لجميع الناس من مؤمن وكافر.
واعلم أنه قد روي في ( الصحيحين ) عن علقمة قال :( دخلت في نفر من أصحاب عبد الله ( يعني ابنَ مسعود ) الشام فسمع بِنا أبو الدرداء فأتانا فقال : أيكم يقرأ على قراءة عبد الله ؟ فقلت : أنا. قال : كيف سمعتَه يقرأ ؟ ) والليل إذا يغشى ( قال سمعته يقرأ :( والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى والذكر والأنثى ) قال : أشهد أني سمعت النبي ( ﷺ ) يقرأ هكذا ). وسماها في ( الكشاف ) : قراءة النبي ( ﷺ ) أي ثَبت أنه قرأ بها، وتأويل ذلك : أنه أقرأها أبا الدرداء أيام كان القرآن مرخَّصاً فيه أن يُقرأ على بعض اختلاف، ثم نُسخ ذلك الترخيص بما قرأ به النبي ( ﷺ ) في آخر حياته وهو الذي اتفق عليه قراء القرآن. وكتب في المصحف في زمن أبي بكر رضي الله عنه، وقد بينت في المقدمة السادسة من مقدمات هذا التفسير معنى قولهم : قراءة النبي ( ﷺ )


الصفحة التالية
Icon