" صفحة رقم ٤٠٣ "
والنهر : الزجر بالقول مثل أن يقول : إليك عني. ويستفاد من النهي عن القهر والنهر النهي عما هو أشد منهما في الأذى كالشتم والضرب والاستيلاء على المال وتركه محتاجاً وليس من النهر نهي السائل عن مخالفة آداب السؤال في الإِسلام.
وقوله :( وأما بنعمة ربك فحدث ( مقابل قوله :( ووجدك عائلاً فأغنى ( ( الصحى : ٨ ).
فإن الإغناء نعمة فأمره الله أن يظهر نعمة الله عليه بالحديث عنها وإعلان شكرها.
وليس المراد بنعمة ربك نعمة خاصة وإنما أريد الجنس فيفيد عموماً في المقام الخطابي، أي حدث ما أنعم الله به عليك من النعم، فحصل في ذلك الأمر شكر نِعمة الإِغناء، وحصل الأمر بشكر جميع النعم لتكون الجملة تذييلاً جامعاً.
فإن جعل قوله :( وأما السائل فلا تنهر ( مقابل قوله ) ووجدك عائلاً فأغنى ( على طريقة اللف والنشر المشوش كان قوله :( وأما بنعمة ربك فحدث ( مقابل قوله :( ووجدك ضالاً فهدى ( ( الضحى : ٧ ) على طريقة اللف والنشر المشوش أيضاً.
وكان المراد بنعمة ربه نعمة الهداية إلى الدين الحق.
والتحديث : الإِخبار، أي أخْبِر بما أنعم الله عليك اعترافاً بفضله، وذلك من الشكر، والقول في تقديم المجرور وهو ) بنعمة ربك ( على متعلَّقه كالقول في تقديم ) فأما اليتيم فلا تقهر وأما السائل فلا تنهر ).
والخطاب للنبيء ( ﷺ ) فمقتضى الأمر في المواضع الثلاثة أن تكون خاصة به، وأصل الأمر الوجوب، فيعلم أن النبي ( ﷺ ) واجب عليه ما أمر به، وأما مخاطبة أمته بذلك فتجري على أصل مساواة الأمة لنبيها فيما فرض عليه ما لم يدلّ دليل على الخصوصية، فأما مساواة الأمة له في منع قهر اليتيم ونهر السائل فدلائله كثيرة مع ما يقتضيه أصل المساواة.
وأما مساواة الأمة له في الأمر بالتحدث بنعمة الله فإن نعم الله على نبيه ( ﷺ ) شتّى منها ما لا مطمع لغيره من الأمة فيه مثل نعمة الرسالة ونعمة القرآن ونحو ذلك من مقتضيات الاصطفاء الأكبر، ونعمة الرب في الآية مُجملة.