" صفحة رقم ٤٢٣ "
ذلك من النحل والملل قد حاد عن أصول شرائع الله كلها بقطع النظر عن اختلافها في الفروع، ويكفي في تقوّم معنى براعة الاستهلال ما يلوح في المعنى من احتمال.
وجملة :( لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ( مع ما عطف عليه هو جواب القسم.
والقَسم عليه يدل على أن التقويم تقويم خفي وأن الرد رد خفيّ يجب التدبر لإِدراكه كما سنبينه في قوله :( في أحسن تقويم ). فلذلك ناسب أن يحقق بالتوكيد بالقسم، لأن تصرفات معظم الناس في عقائدهم جارية على حالة تشبه حالة من ينكرون أنهم خُلقوا على الفطرة.
والخلق : تكوين وإيجاد لشيء، وخلق الله جميع الناس هو أنه خلق أصول الإِيجاد وأوجد الأصول الأولى في بدء الخليقة كما قال تعالى :( لما خلقت بيدي ( ( ص : ٧٥ ) وخلق أسباب تولد الفروع من الأصول فتناسلت منها ذرياتهم كما قال :( ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم ( ( الأعراف : ١١ ).
وتعريف ) الإنسان ( يجوز أن يكون تعريف الجنس، وهو التعريف الملحوظ فيه مجموع الماهية مع وجودها في الخارج في ضمن بعض أفرادها أو جميع أفرادها.
ويحمل على معنى : خلقنا جميع الناس في أحسن تقويم.
ويجوز أن يكون تعريف ) الإنسان ( تعريف الحقيقة نحو قولهم : الرجل خير من المرأة، وقول امرىء القيس :
الحرب أول ما تكون فَتية
فلا يلاحظ فيه أفراد الجنس بل الملحوظ حالة الماهية في أصلها دون ما يعرض لأفرادها مما يغير بعض خصائصها. ومنه التعريف الواقع في قوله تعالى :( إن الإنسان خلق هلوعاً (، وقد تقدم في سورة المعارج.
والتقويم : جعل الشيء في قَوام ( بفتح القاف )، أي عَدل وتسوية، وحسن