" صفحة رقم ٤٢٤ "
التقويم أكمله وأليقه بنوع الإِنسان، أي أحسن تقويم له، وهذا يقتضي أنه تقويم خاص بالإِنسان لا يشاركه فيه غيره من المخلوقات، ويتضح ذلك في تعديل القوى الظاهرة والباطنة بحيث لا تكون إحدى قواه موقعة له فيما يفسده، ولا يعوق بعض قواه البعضَ الآخر عن أداء وظيفته فإن غيره من جنسه كان دونه في التقويم.
وحرف ) في ( يفيد الظرفية المجازية المستعارة لمعنى التمكن والمِلك فهي مستعملة في معنى باء الملابسة أو لام الملك، وإنما عدل عن أحد الحرفين الحقيقيين لهذا المعنى إلى حرف الظرفية لإفادة قوة الملابسة أو قوة الملك مع الإِيجاز ولولا الإِيجاز لكانت مساواة الكلام أن يقال : لقد خلقنا الإِنسان بتقويم مكين هُو أحسن تقويم.
فأفادت الآية أن الله كوَّن الإِنسان تكويناً ذاتياً مُتناسباً ما خلق له نوعه من الإِعداد لنظامه وحضارته، وليس تقويم صورة الإِنسان الظاهرة هو المعتبر عند الله تعالى ولا جديراً بأن يقسم عليه إذ لا أثر له في إصلاح النفس، وإصلاح الغير، والإِصلاح في الأرض، ولأنه لو كان هو المراد لذهبت المناسبة التي في القَسَمْ بالتين والزيتون وطور سينين والبلدِ الأمين. وإنما هو متمّم لتقويم النفس قال النبي ( ﷺ ) ( إن الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم ) فإن العقل أشرف ما خص به نوع الإنسان من بين الأنواع.
فالمرضيّ عند الله هو تقويم إدراك الإِنسان ونظره العقلي الصحيح لأن ذلك هو الذي تصدر عنه أعمال الجسد إذ الجسم آلة خادمة للعقل فلذلك كان هو المقصود من قوله تعالى :( لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ).
وأما خلق جسد الإِنسان في أحسن تقويم فلا ارتباط له بمقصد السورة ويظهر هذا كمال الظهور في قوله :( ثم رددناه أسفل سافلين ( فإنه لو حمل الرد أسفل سافلين على مصير الإِنسان في أرذل العمر إلى نقائص قوته كما فسر به كثير من المفسرين لكان نبوّه عن غرض السورة أشد، وليس ذلك مما يقع فيه تردد