" صفحة رقم ٤٢٥ "
السامعين حتى يحتاج إلى تأكيده بالقسم ويدل لذلك قوله بعده :( إلا الذين آمنوا ( ( التين : ٦ ) لأن الإِيمان أثر التقويم لعقل الإنسان الذي يلهمه السير في أعماله على الطريق الأقوم، ومعاملةِ بني نوعه السالمين من عدائه معاملة الخير معهم على حسب توافقهم معه في الحق فذلك هو الأصل في تكوين الإِنسان إذا سلم من عوارض عائقة من بعض ذلك مما يعرض له وهو جنين ؛ إما من عاهة تلحقه لِمرض أحد الأبوين، أو لفساد هيكله من سقطة أو صدمة في حمله، وما يعرض له بعد الولادة من داء معضل يعرض له يترك فيه اختلال مزاجه فيحرف شيئاً من فطرته كحماقة السوداويين والسُّكريين أو خبال المختبلين، ومما يدخله على نفسه من مساوي العادات كشرب المسكرات وتناول المخدرات مما يورثه على طوللٍ انثلامَ تعقله أو خَوَرَ عزيمته.
والذي نأخذه من هذه الآية أنَّ الإنسان مخلوق على حالة الفطرة الإِنسانية التي فطر الله النوع ليتصف بآثارها، وهي الفطرة الإنسانية الكاملة في إدراكه إدراكاً مستقيماً مما يتأدى من المحسوسات الصادقة، أي الموافقة لحقائق الأشياء الثابتة في نفس الأمر، بسبب سلامة ما تؤديه الحواس السليمة، وما يتلقاه العقل السليم من ذلك ويتصرف فيه بالتحليل والتركيب المنتظمين، بحيث لو جانبتْه التلقينات الضالة والعوائد الذميمة والطبائع المنحرفة والتفكير الضار، أو لو تسلطت عليه تسلطاً ما فاستطاع دفاعها عنه بدلائل الحق والصواب، لجَرى في جميع شؤونه على الاستقامة، ولما صدرت منه إلا الأفعال الصالحة ولكنه قد يتعثر في ذيول اغتراره ويُرخي العنان لهواه وشهوته، فترمي به في الضلالات، أو يتغلب عليه دعاة الضلال بعامل التخويف أو الإِطماع فيتابعهم طوعاً أو كرهاً، ثم لا يلبث أن يستحكم فيه ما تقلده فيعتاده وينسى الصواب والرشد.
ويفسر هذا المعنى قول النبي ( ﷺ ) ( ما من مولود إلا يولد على الفطرة ثم يكون أبواه هما اللذان يهوِّدانه أو ينصِّرانه أو يمجِّسانه ) الحديث ؛ ذلك أن أبويه هما أول من يتولى تأديبه وتثقيفه وهما أكثر الناس ملازمة له في صباه، فهما اللذان يُلقيان في نفسه الأفكار الأولى، فإذا سلم من تضليل أبويه فقد سار بفطرته شوطاً ثم هو بعد ذلك عُرضة لعديد من المؤثرات فيه، إنْ خيراً فخير وإن شرّاً فشرّ،


الصفحة التالية
Icon