" صفحة رقم ٤٣٥ "
وافتتاح السورة بكلمة ) اقرأ ( إيذان بأن رسول الله ( ﷺ ) سيكون قارئاً، أي تالياً كتاباً بعد أن لم يكن قد تلا كتاباً قال تعالى :( وما كنت تتلوا من قبله من كتاب ( ( العنكبوت : ٤٨ )، أي من قبل نزول القرآن، ولهذا قال النبي ( ﷺ ) لجبريل حين قال له اقرأ :( ما أنا بقارىء ).
وفي هذا الافتتاح براعة استهلال للقرآن.
وقوله تعالى :( اقرأ ( أمر بالقراءة، والقراءة نطق بكلام معيَّن مكتوببٍ أو محفوظٍ على ظهر قلب.
وتقدم في قوله تعالى :( فإذا قرأت القرآن فاستعذ باللَّه من الشيطان الرجيم ( في سورة النحل.
والأمر بالقراءة مستعمل في حقيقته من الطلب لتحصيل فعل في الحال أو الاستقبال، فالمطلوب بقوله :( اقرأ ( أن يفعل القراءة في الحال أو المستقبل القريب من الحال، أي أن يقول مَا سَيُمْلَى عليه، والقرينة على أنه أمر بقراءة في المستقبل القريب أنه لم يتقدم إملاء كلام عليه محفوظ فتطلب منه قراءته، ولا سُلمت إليه صحيفة فتطلب منه قراءتها، فهو كما يقول المُعلم للتلميذ : اكتب، فيتأهب لكتابة ما سيمليه عليه.
وفي حديث ( الصحيحين ) عن عائشة رضي الله عنها قولها فيه :( حتى جاءه الحق وهو في غار حراء فجاءه الملك فقال : اقرأ. قال : فقلت : ما أنا بقارىء فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجَهْد ثم أرْسَلَني فقال : اقرأ. فقلت : ما أنا بقارىء فأخذني فغطّني الثانيةَ حتى بلغ مني الجَهد ثم أرسلني فقال : اقرأ فقلت : ما أنا بقارىء فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجَهد، ثم أرسلني فقال :( اقرأ باسم ربك الذي خلق ( إلى ) ما لم يعلم ).
فهذا الحديث روته عائشة عن رسول الله ( ﷺ ) لقولها قال :( فقلت : ما أنا بقارىء ). وجميع ما ذكرته فيه مما روته عنه لا محالة وقد قالت فيه :( فرجع بها رسول الله ( ﷺ ) يرجف فُؤاده ) أي فرجع بالآيات التي أُمليَتْ عليه، أي رجع متلبساً بها، أي بوعيها.


الصفحة التالية
Icon