" صفحة رقم ٤٣٦ "
وهو يدل على أن رسول الله ( ﷺ ) تلقى ما أوحي إليه. وقرأه حينئذٍ ويزيد ذلك إيضاحاً قولها في الحديث :( فانطلقت به خديجة إلى ورقة بن نوفل فقالت له خديجة : يا ابن عم اسمع من ابن أخيك )، أي اسمع القول الذي أوحي إليه وهذا ينبىء بأن رسول الله ( ﷺ ) عندما قيل له بعد الفطة الثالثة :( اقرأ باسم ربك ( الآيات الخمس قد قرأها ساعتئذٍ كما أمره الله ورجع من غار حراء إلى بيته يقرؤها وعلى هذا الوجه يكون قول المَلك له في المرات الثلاث ) اقرأ ( إعادة للفّظ المنزل من الله إعادة تكرير للاستئناس بالقراءة التي لم يتعلمها من قبل.
ولم يُذكر لِفعل ) اقرأ ( مفعول، إما لأنه نزل منزلة اللازم وأن المقصود أوجد القراءة، وإما لظهور المقروء من المقام، وتقديره : اقرأ ما سنلقيه إليك من القرآن.
وقوله ) باسم ربك ( فيه وجوه :
أولها : أن يكون افتتاح كلام بعد جملة ) اقرأ ( وهو أول المقروء، أي قل : باسم الله، فتكون الباء للاستعانة فيجوز تعلقه بمحذوف تقديره : ابتدىء ويجوز أن يتعلق ب ) اقرأ ( الثاني فيكون تقديمه على معموله للاهتمام بشأن اسم الله. ومعنى الاستعانة باسم الله ذكر اسمه عند هذه القراءة، وإقحامُ كلمة ( اسم ) لأن الاستعانة بذكر اسمه تعالى لا بذاته كما تقدم في الكلام على البسملة، وهذا الوجه يقتضي أن النبي ( ﷺ ) قال :( باسم الله ( حين تلقَّى هذه الجملة.
الثاني : أن تكون الباء للمصاحبة ويكون المجرور في موضع الحال من ضمير ) اقرأ ( الثاني مقدَّماً على عامله للاختصاص، أي اقرأ ما سيوحَى إليك مصاحباً قراءتَك ( اسمَ ربك ). فالمصاحبة مصاحبة الفهم والملاحظة لجلاله، ويكون هذا إثباتاً لوحدانية الله بالإلاهية وإبطالاً للنداء باسم الأصنام الذي كان يفعله المشركون يقولون : باسم اللاتتِ، باسم العزى، كما تقدم في البسملة. فهذا أول ما جاء من قواعد الإسلام قد افتتح به أول الوَحي.
الثالث : أن تكون الباء بمعنى ( على ) كقوله تعالى :( من إن تأمنه بقنطار ( ( آل عمران : ٧٥ )، أي على قنطار. والمعنى : اقرأ على اسم ربك، أي على إذنه، أي أن المَلَك جاءك على اسم ربك، أي مرسلاً من ربك، فذكر ( اسْم ) على هذا متعين.


الصفحة التالية
Icon