" صفحة رقم ٥٢٩ "
اصفرار الشمس فمبدؤه إذا صار ظل الجسم مثلَه بعد القَدْر الذي كان عليه عند زوال الشمس ويمتد إلى أن يصير ظلُّ الجسم مثلَيْ قدرِه بعد الظل الذي كان له عند زوال الشمس. وذلك وقت اصفرار الشمس، والعصر مبدأ العشيّ. ويعقبه الأصيل والاحمرار وهو ما قبل غروب الشمس، قال الحارث بن حِلزة :
آنستْ نبأة وأفزَعها القَنَّ
اصُ عَصراً وقَدْ دَنَا الإِمساء
فذلك وقت يؤذن بقرب انتهاء النهار، ويذكر بخلقة الشمس والأرض، ونظام حركة الأرض حول الشمس، وهي الحركة التي يتكون منها الليل والنهار كل يوم وهو من هذا الوجه كالقسم بالضحى وبالليل والنهار وبالفجر من الأحوال الجوية المتغيرة بتغير توجه شعاع الشمس نحو الكرة الأرضية.
وفي ذلك الوقت يتهيأ الناس للانقطاع عن أعمالهم في النهار كالقيام على حقولهم وجنَّاتهم، وتجاراتهم في أسواقهم، فيذكر بحكمة نظام المجتمع الإِنساني وما ألهم الله في غريزته من دأب على العمل ونظاممٍ لابتدائه وانقطاعه. وفيه يتحفز الناس للإِقبال على بيوتهم لمبيتهم والتأنس بأهليهم وأولادهم. وهو من النعمة أو من النعيم، وفيه إيماء إلى التذكير بمَثَل الحياة حين تدنو آجال الناس بعد مضي أطوار الشباب والاكتهال والهَرم.
وتعريفه باللام على هذه الوجوه تعريف العهد الذهني أي كل عَصْر.
ويطلق العصر على الصلاة الموقتة بوقت العَصر. وهي صلاة معظمة. قيل : هي المراد بالوسطى في قوله تعالى :( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ( ( البقرة : ٢٣٨ ). وجاء في الحديث :( من فاتته صلاة العصر فكأنما وُتِرَ أهلَه ومالَه ). وورد في الحديث الصحيح :( ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ) فذَكَر ( ورجل حلف يميناً فاجرة بعد العصر على سلعة لقد أعطي بها ما لم يُعْطَ ) وتعريفه على هذا تعريف العهد وصار علَماً بالغلبة كما هو شأن كثير من أسماء الأجناس المعرفة باللام مثل العَقَبَة.
ويطلق العصر على مدة معلومة لوجود جِيل من الناس، أو مَلِك أو نبيء، أو دين، ويعيَّن بالإِضافة، فيقال : عصر الفِطَحْل، وعصر إبراهيم، وعصر الإِسكندر، وعصر الجاهلية، فيجوز أن يكون مراد هذا الإِطلاق هنا ويكون


الصفحة التالية
Icon