" صفحة رقم ٥٩٧ "
مخصوص بالمشيئة تخصصه أدلة وصف الربوبية، ولما ذكر دليل العموم عَقب أمرِه بالاستغفار أفاد أنه إذا استغفره غفر له دلالة تقتضيها مستتبعات التراكيب، فأفادت هذه الجملة تعليل الأمر بالاستغفار لأن الاستغفار طلب لغفر، فالطالب يترقب إجابة طلبه، وأما ما في الجملة من الأمر بالتسبيح والحمد فلا يحتاج إلى تعليل لأنهما إنشاء تنزيه وثناء على الله.
ومن وراء ذلك أفادت الجملة إشارة إلى وعدٍ بحسن القبول عند الله تعالى حينما يقدم على العالم القدسي، وهذا معنى كنائي لأن من عُرف بكثرة قبول توبة التائبين شأنه أن يكرم وفادة الوافدين الذين سَعوْا جهودهم في مرضاته بمنتهى الاستطاعة، أو هو مجاز بعلاقة اللزوم العرفي لأن منتهى ما يخافه الأحبة عند اللقاء مرارة العتاب، فالإِخبار بأنه توّاب اقتضى أنه لا يخاف عتاباً.
فهذه الجملة بمدلولها الصريح ومدلولها الكنائي أو المجازي ومستتبعاتها تعليل لما تضمنته الجملة التي قبلها من معنى صريح أو كنائي يناسبه التعليل بالتسبيح والحمد باعتبارهما تمهيداً للأمر بالاستغفار كما تقدم آنفاً لا يحتاجان إلى التعليل، أو يغني تعليل الممهد له بهما عن تعليلهما ولكنهما باعتبار كونهما رمزاً إلى مداناة وفاة رسول الله ( ﷺ ) يكون ما في قوله :( إنه كان تواباً ( من الوعد بحسن القبول تعليلاً لمدلولهما الكنائي، وأما الأمر بالاستغفار فمناسبة التعليل له بقوله :( إنه كان تواباً ( ناهضة باعتبار كلتا دلالتيه الصريحة والكنائيّة، أي إنه متقبل استغفارك ومتقبلك بأحسن قبول، شأنَ من عهد من الصفح والتكرم.
وفعل ) كان ( هنا مستعمل في لازم معنى الاتصاف بالوصف في الزمن الماضي. وهو أن هذا الوصف ذاتي له لا يتخلف معموله عن عباده فقد دل استقراء القرآن على إخبار الله عن نفسه بذلك من مبدأ الخليقة قال تعالى :( فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم ( ( البقرة : ٣٧ ).
ومقتضى الظاهر أن يقال : إنه كان غفّاراً، كما في آية :( فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً ( ( نوح : ١٠ ) فيُجرى الوصف على ما يناسب قوله :( واستغفره (، فعُدل عن ذلك تلطفاً مع النبي ( ﷺ ) بأنَّ أمره بالاستغفار ليس مقتضياً إثبات ذنب له لما علمت آنفاً من أن وصف ( تواب ) جاء من تاب عليه الذي يستعمل بمعنى وفقه


الصفحة التالية
Icon