" صفحة رقم ٦٠١ "
والتَّبُّ : الخسران والهلاك، والكلام دعاء وتقريع لأبي لهب دافع الله به عن نبيئه بمثل اللفظ الذي شَتَم به أبو لهب محمداً ( ﷺ ) جزاءً وفاقاً.
وإسناد التبّ إلى اليدين لِما روي من أن أبا لهب لما قال للنبيء :( تباً لك سائرَ اليوم ألهذا جمعتنا ) أخذ بيده حجراً ليرميه به. وروي عن طارق المحاربي قال :( بينا أنا بسوق ذي المجاز إذا أنا برجل حديث السن يقول : أيها الناس قولوا : لا إلاه إلا الله تفلحوا، وإذا رجل خلفَه يرميه قد أدمى ساقيه وعرقوبيه ويقول :( يا أيها الناس إنه كذاب فلا تصدقوه ). فقلت : من هذا ؟ فقالوا : هذا محمد يزعم أنه نبيء، وهذا عمه أبو لهب، فوقع الدعاء على يديه لأنهما سبب أذى النبي ( ﷺ ) كما يقال للذي يتكلم بمكروه :( بفيك الحجارة أو بفيك الكثكث ).
وقول النابغة :
قعود الذي أبياتهم يثمدونهم
رمى الله في تلك الأكف الكوانع
ويقال بضد ذلك للذي يقول كلاماً حسناً : لا فُضَّ فُوك، وقال أعرابي من بني أسد :
دَعَوْتُ لِمَا نابنِي مِسْوَراً
فلبَّى فلبَّيْ يَديْ مِسْورِ
لأنه دعاه لِما نابه من العدوِّ للنَّصر، والنصر يكون بعمل اليد بالضرب أو الطعن.
وأبو لهب : هو عبد العزى بن عبد المطلب وهو عمّ النبي ( ﷺ ) وكنيته أبو عتبة تكنية باسم ابنه، وأمّا كنيته بأبي لهب في الآية فقيل : كان يكنّى بذلك في الجاهلية ( لحسنه وإشراققِ وجهه ) وأنه اشتهر بتلك الكنية كما اقتضاه حديث طارق المحاربي، ومثله حديث عن ربيعة بن عباد الديلي في ( مسند أحمد )، فسماه القرآن بكنيته دون اسمه لأن في اسمه عبادة العزى، وذلك لا يُقره القرآن، أو لأنه كان بكنيته أشهر منه باسمه العَلَممِ، أو لأن في كنيته ما يتأتى به التوجيه بكونه صائراً إلى النار، وذلك كناية عن كونه جهنمياً، لأن اللهب ألسنةُ النار إذا اشتعلت وزال عنها الدخان. والأبُ : يطلق على ملازم ما أضيف إليه كقولهم :( أبوها وَكيَّالها ) وكما كني إبراهيم عليه السلام : أبا الضيفان وكنَّى النبي ( ﷺ ) عبدَ


الصفحة التالية
Icon