" صفحة رقم ٦٠٢ "
الرحمن بن صَخْر الدَّوْسي : أبا هريرة لأنه حمل هِرَّةً في كم قميصه، وكُني شهرُ رمضان : أبَا البَركات، وكني الذئب : أبا جَعدةٍ والجعدة سخلة المعز لأنه يلازم طلبها لافتراسها، فكانت كنية أبي لهب صالحة موافقة لحاله من استحقاقه لهب جهنم فصار هذا التوجيه كناية عن كونه جهنمياً لينتقل من جعل أبي لهب بمعنى ملازم اللهب إلى لازم تلك الملازمة في العرف، وهو أنه من أهل جهنم وهو لزوم ادعائي مبني على التفاؤل بالأسماء ونحوها كما أشار إليه التفتزاني في مبحث العَلَمِيَّة من ( شرح المفتاح ) وأنشد قول الشاعر :
قصدت أبا المحاسن كي أراه
لشوق كان يجذبني إليه
فلما أن رأيتُ رأيت فرداً
ولم أر من بنيه ابنا لديه
وقد يكون أبو لهب كنيته الحطب كما أنبأ عنه ما روي عن أبي هريرة :( إن ابنة أبي لهب قالت للنبيء ( ﷺ ) إن الناس يصيحون بي ويقولون إني ابنةُ حطب النار ) الحديث.
وقرأ الجمهور لفظ ) لهب ( بفتح الهاء، وقرأه ابن كثير بسكون الهاء وهو لغة لأنهم كثيراً ما يسكنون عين الكلمة المتحركة مع الفاء، وقد يكون ذلك لأن ) لهب ( صار جزءَ عَلَم والعرب قد يغيرون بعض حركات الاسم إذا نقلوه إلى العلمية كما قالوا : شُمْس بضم الشين، لشَمْس بن مالك الشاعر الذي ذكره تأبط شراً في قوله :
إنّي لمُهْدٍ من ثَنائِي فقاصد
به لابن عَمِّ الصدققِ شُمْس بننِ مالك
قال أبو الفتح بن جنّيّ في كتاب ( إعراب الحماسة ) :( يجوز أن يكون ضم الشين على وجه تغيير الأعلام نحو مَعدِ يكرب. وتَهْلُك ومَوْهَب وغير ذلك مما غُيِّر عن حال نظائره لأجل العلمية الحادثة فيه اه.
وكما قالوا : أبو سُلْمى بضم السين كُنية والدِ زهير بن أبي سُلمى لأنهم نقلوا اسم سَلمى بفتح السين من أسماء النساء إلى جعله اسم رجل يكنى به لأنهم لا يكنون بأسماء النساء غالباً.


الصفحة التالية
Icon