" صفحة رقم ٦١٤ "
وصيغة الصفة المشبهة تفيد تمكن الوصف في موصوفها بأنه ذاتيٌّ له، فلذلك أوثر ) أحد ( هنا على ( واحد ) لأن ( واحد ) اسم فاعل لا يفيد التمكن. ف ( واحد ) و ) أحد ( وصفان مصوغان بالتصريف لمادة متحدة وهي مادة الوحدة يعني التفرد.
هذا هو أصل إطلاقه وتفرعت عنه إطلاقات صارت حقائق للفظ ( أحد )، أشهرها أنه يستعمل اسماً بمعنى إنسان في خصوص النفي نحو قوله تعالى :( لا نفرق بين أحد من رسله في البقرة، وقوله : ولا أشرك بربي أحداً ( في الكهف وكذلك إطلاقه على العدد في الحساب نحو : أحد عشر، وأحد وعشرين، ومؤنثه إحدى، ومن العلماء من خلط بين ( واحد ) وبين ) أحد ( فوقع في ارتباك.
فوصف الله بأنه ) أحد ( معناه : أنه منفرد بالحقيقة التي لوحظت في اسمه العلَم وهي الإِلاهية المعروفة، فإذا قيل :( اللَّه أحد ( فالمراد أنه منفرد بالإِلاهية، وإذا قيل : الله واحد، فالمراد أنه واحد لا متعدد فمَن دونه ليس بإلاه. ومآل الوصفين إلى معنى نفي الشريك له تعالى في إلاهيته.
فلما أريد في صدر البعثة إثبات الوحدة الكاملة لله تعليماً للناس كلهم، وإبطالاً لعقيدة الشرك وُصف الله في هذه السورة ب ) أحد ( ولم يوصف ب ( واحد ) لأن الصفة المشبهة نهايةُ ما يُمكن به تقريب معنى وحدة الله تعالى إلى عقول أهل اللسان العربي المبين.
وقال ابن سينا في تفسير له لهذه السورة : إن ) أحد ( دالّ على أنه تعالى واحد من جميع الوجوه وأنه لا كثرة هناك أصلاً لا كثرةً معنوية وهي كثرة المقومات والأجناس والفصول، ولا كثرة حسيّة وهي كثرة الأجزاء الخارجية المتمايزة عقلاً كما في المادة والصورة. والكثرة الحسية بالقوة أو بالفعل كما في الجسم، وذلك متضمن لكونه سبحانه منزهاً عن الجنس والفصل، والمادة والصورة، والأعراض والأبعَاض، والأعضاء، والأشكال، والألوان، وسائر ما يُثلم الوحدة الكاملة والبَساطة الحَقَّة اللائقة بكرم وجهه عز وجل عن أن يشبهه شيء أو يساويه سبحانه شيء. وتبيينُه : أما الواحد فمقول على ما تحته بالتشكيك، والذي لا ينقسم بوجه أصلاً أولى بالوحدانيَّة مما ينقسم من بعض الوجوه، والذي لا ينقسم


الصفحة التالية
Icon